موقع مدرسة الدروتين الاعدادية المشتركة - ELDERWATEEN PREP SCHOOL
عزيزى الزائر
انضمامك الى اسرتنا يسعدنا نرجوا
ان تنضم الينا سجل معنا الان وشارك
ولو برد أو بكلمة شكر فهذا يسعدنا
بعد ما يذلناه من جهد لراحتك واسعادك
مع تحيات ادارة الموقع
موقع مدرسة الدروتين الاعدادية المشتركة - ELDERWATEEN PREP SCHOOL
عزيزى الزائر
انضمامك الى اسرتنا يسعدنا نرجوا
ان تنضم الينا سجل معنا الان وشارك
ولو برد أو بكلمة شكر فهذا يسعدنا
بعد ما يذلناه من جهد لراحتك واسعادك
مع تحيات ادارة الموقع
موقع مدرسة الدروتين الاعدادية المشتركة - ELDERWATEEN PREP SCHOOL
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

موقع مدرسة الدروتين الاعدادية المشتركة - ELDERWATEEN PREP SCHOOL


 
الرئيسيةصفحة2المنتدى - المنتدىمدونة المدرسةأحدث الصوراسئلة ومراجعةافحص جهارك مجاناالتسجيلدخولالرئيسيةالبوابة الرئيسي


 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


 

 السيرة النبوية: مع المنكرين للنبوة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
كمال كموله
عضو نشيط
عضو نشيط
كمال كموله


الجنس : ذكر
تاريخ الميلاد : 29/11/1995
تاريخ التسجيل : 24/03/2010
عدد المساهمات : 70
العمر : 28
الموقع : الدروتين

السيرة النبوية: مع المنكرين للنبوة Empty
مُساهمةموضوع: السيرة النبوية: مع المنكرين للنبوة   السيرة النبوية: مع المنكرين للنبوة Emptyالجمعة مارس 26, 2010 8:29 am

ظاهرة غير عادية:
كانت النبوّات في كلّ عهد انطلقت فيه، موضع جدل ونقاش في المجتمع الذي تعيش فيه، باعتبارها حَدَثاً غير عادي في حياة النّاس، لأنَّها ليست مجرّد دعوة تغييريه تتحرّك على أساس بشري يخضع لما يخضع له البشر ـ عادة ـ من إمكانات وطاقات، وقوّة وضعف.. بل هي دعوة تتميز بارتباطها بما وراء هذا العالـم، من خلال الوحي الذي هو ظاهرة غير عادية، لأنَّه يمثّل الاتصال غير المنظور بالقوى غير المنظورة، لأنَّها ليست من عالمنا هذا، بل هي من عالـم آخر يختلف عنّا في شكله وفي طبيعته. وهي ـ في هذا المجال ـ لا تخضع لأيّ ضعف في الصدق والصواب والانسجام مع المصلحة الأساسية للحياة لأنَّها من اللّه العالـم بما يصلحهم ويفسدهم.
وقد شاركت هذه المِيزة التي تتميَّز بها النبوَّات عن الدعوات الأخرى في إثارة العديد من علامات الاستفهام التي اتخذت لنفسها طابعاً جدلياً عنيفاً، لـم تقتصر آثاره على الكلمات التي تُثار في هذا السبيل، بل امتدت إلى المواقف العملية التي تحوَّلت إلى رفض حاسم للأشخاص الذين تتجسَّد فيهم فكرة النبوّة وتتحرّك معهم.
ففي البداية، ووجه أكثر الأنبياء بتصوّر النّاس حول شخصية النبيّ، وما يجب أن تكون عليه هذه الشخصية.. فإذا كانت النبوَّة حدثاً غير عادي، فيجب أن تتجسَّد في شخص غير عادي.. ولهذا فإنَّ من الضروري أن لا يكون النبيّ بشراً ما دامت النبوَّة مرتبطة بغير عالـم البشر.. وما دامت طرق الاتصال غير بشريّة.
ومن هنا وُلدت فكرة رفض تصديق الأنبياء، لأنَّهم بشر مثلهم يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق.. وهذا الأمر لا ينسجم مع التصوّر العام للنبيّ الذي يجب أن يكون ملكاً من السماء ليصلح لحمل رسالة السماء.
وينطلق ـ بعد ذلك ـ سؤال ثانٍ في هذا المجال، فقد نتقبَّل فكرة النبيّ البشر، ولكن لا بُدَّ أن يكون إنساناً غير عادي.. يتميَّز بقوى خارقة تحمل ظلال الألوهية في قدراتها، وإن لـم تكن لها هذه الصفة.. لأنَّ اتصالها المباشر باللّه، وحملها الرسالة منه بطريق الوحي يفرضان ذلك كلّه.
وفي ضوء ذلك،كانت علامات الاستفهام تتكاثر وتتنوَّع حول الأنبياء الذين لا يتميَّزون عن الإنسان العادي بشيء في قدراتهم وأوضاعهم العملية في الحياة.. ولذلك لا نجدهم يستجيبون لأيّ اقتراح من الاقتراحات التي تُطلب منهم، في القيام ببعض الأعمال، أو في إيجاد بعض الظواهر الخارقة في الحياة.
أمّا رسالة الإسلام إلى جانب علامات الاستفهام هذه، فقد جابهت في شخصية النبيّ محمَّد (ص) علامات استفهام من نوع آخر، تعرضت للنبيّ (ص) وواجهته بأسلوب بعيد عن المنطق والمعرفة الواعية الهادئة، فاعتبرت أنَّ ما جاء به سحر، ولهذا أعطته صفة الساحر.. وبأنَّه شعر يتخذ لنفسه صفة الشاعر، وأنه يجمع أساطير الأولين التي اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً.. وتفاعلت القضية وتحوّلت إلى حالة من الحقد، شبيهة بالتشنجات الانفعالية، فكان الوصف بالجنون.
ونحن لا ندّعي اختصاص هذه الصفات بنبيّ الإسلام، لأنَّ القرآن قد أشار في بعض الآيات إلى أنَّ الأنبياء بشكل عام قد حوربوا باتهامهم بالجنون، كما جاء في قوله تعالى: {كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسولٍ إلاَّ قالوا ساحرٌ أو مجنونٌ} (الذاريات:52)(ص). ولكنَّنا نقول إنَّ هذه الأمور كانت بارزة في موقف أعداء الإسلام من الرسول.
تصحيح الأفكار:
وقد واجه الرسول هذا كلّه بأسلوب رسالّي هادئ، ينطلق من الثقة العميقة بنفسه وبرسالته. ومن خلال تفهّمه ووعيه للظروف والدوافع والتصوّرات التي شاركت في ولادة علامات الاستفهام الرافضة التي واجهت رسالته وأساءت إلى شخصه، بحيث كان للتصوّر المنحرف لمعنى النبوّة وللعوامل الاجتماعية والذاتية التي كانت تقود خطى المعاندين نحو معاندة الحقّ الذي أطلقه، ولغير ذلك، الأثر الكبير في هذا كلّه.
وعلى هدى ذلك، بدأ الحوار معهم، من أجل أن يقودهم إلى تصحيح المفهوم الخاطئ الذي يحملونه عن النبوّة ودورها في الحياة، وكشف ما التبس عليهم من فهم لشخصية النبيّ وطاقاته، وما يتعلّق بطبيعة الرسالة ومواصفات القرآن، عدا تصويبه للأفكار التي ألصقت بعض المواصفات بشخصه، التي كان للأجواء المحمومة والانفعالات المتباينة دورٌ مهمٌ في إيجاد مثل هذه الأفكار والتصوّرات الخاطئة.
أمّا الفكرة الأولى التي تتحدّث عن العلاقة بين النبوّة والبشرية، فقد تعاطى معها النبي محمَّد (ص) ـ كما صورها اللّه في القرآن الكريم ـ بأسلوبين:
الأسلوب الأول: محاولة عرض الفكرة من خلال تاريخ النبوّات، وطريقة الحوار الذي كان يدور في حياة الأنبياء السابقين مع خصوم الرسالات.
الأسلوب الثاني: محاولة إدارة الحوار ـ بشكل مستقل ـ حول الفكرة التي تتحدى النبوّة من خلال هذا التصوّر المنحرف في شخصه.
ونواجه ـ في الأسلوب الأول ـ الآيات التالية التي تتحدّث عن الأنبياء السابقين الذين كانوا محل احترامٍ لدى المجتمع العربي الذي ولدت فيه الرسالة.. ولا مانع من فرضية أنَّهم كانوا يؤمنون بهم كأنبياء، فقد تحدّثت هذه الآيات عن رفض الأمم السابقة لهؤلاء الأنبياء من خلال صفة البشرية التي كانت لا تنسجم مع صفة النبوّة حسب زعمهم.. ولكنَّ النبوّة كانت تفرض نفسها في نهاية المطاف من خلال مواقفها ومعاجزها الخارقة للعادة التي قام بها أولئك الأنبياء.. ما يوجب تحطيم المفهوم الخاطئ الذي كانوا يحملونه في أفكارهم.
ففي حديث القرآن عن نوح وقومه يقول اللّه تعالى: {فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلاَّ بشراً مثلنا وما نراك اتَّبعك إلاَّ الذين هم أراذِلُنا بادي الرّأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنُّكم كاذبين * قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بيِّنة من ربِّي وآتاني رحمةً من عنده فعُمِّيَت عليكم أنُلزِمُكُموها وأنتم لها كارهون}[sub] (هود:27ـ28).
وفي آية أخرى.. تتحدّث عن أسلوب نوح ـ في حواره معهم ـ حول تجريد مفهوم النبوّة في واقعها الأصيل من فكرة القدرات الخارقة التي يتمتع بها النبيّ، أو صفة الملائكية غير البشرية: {قل لا أقولُ لكم عندي خزائن اللّه ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إنّي ملك} (الأنعام:50).
وتصرّح بعض الآيات بفكرة النبيّ ـ الملك التي كانوا يزعمونها كأساس لرفض دعوته:
{فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا إلاَّ بشرٌ مثلُكُم يُريد أن يتفضَّل عليكم ولو شاء اللّه لأنزل ملائكةً ما سمعنا بهذا في آبائنا الأوَّلين} (المؤمنون:24).
وهكذا يطرح القرآن قصة نوح وقومه، ليؤكد في أكثر من آية، من خلال الأدلة التي انطلقت فيها رسالته، خطأ الفكرة التي كان يزعمها قومه، في التنافي بين البشرية والرسالة.
وتمتدّ القضية إلى بقية الأنبياء، كما حدّثنا بذلك، عن قصة هود وصالح.. فقد جاء قوله تعالى عن قوم هود: {وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذَّبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدُّنيا ما هذا إلاَّ بشرٌ مثلكم يأكل ممّا تأكلون منه ويشربُ ممّا تشربون} (المؤمنون:33).
وقال تعالى في قصة صالح وقومه: {قالوا إنَّما أنت من المسَحَّرين * ما أنت إلاَّ بشرٌ مثلنا فائتِ بآية إن كنت من الصَّادقين} (الشعراء:153ـ154).
وقال تعالى في قصة شعي {وما أنت إلاَّ بشرٌ مثلُنا وإن نظنُّك لَمِن الكاذبين} (الشعراء:186).
ويلخص القرآن الكريم الجانب التاريخي لرفض فكرة التنافي بين البشرية والنبوّة، ليشمل تاريخ الأنبياء السابقين، فيقرر أنَّهم كانوا ـ بأجمعهم ـ بشراً. لهم كلّ صفات البشر الجسدية، في كلّ ما يقتضيه ذلك من ضعف وقوّة.. وذلك هو قوله تعا {وما أرسلنا قبلك إلاَّ رجالاً نُوحي إليهم فاسألوا أهل الذِّكر إن كنتم لا تعلمون * وما جعلناهم جسداً لا يأكلون الطَّعام وما كانوا خالدين} (الأنبياء:7ـCool.
أمّا الأسلوب الثاني: فتواجهنا فيه الآيات الكريمة التي ترفض رسالة النبيّ من خلال البشرية والطاقات العادية {وقالوا مال لهذا الرَّسول يأكل الطَّعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملكٌ فيكون معه نذيراً * أو يُلقى إليه كنزٌ أو تكون له جنَّةٌ يأكل منها وقال الظَّالمون إن تتَّبعون إلاَّ رجلاً مسحوراً * انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلُّوا فلا يستطيعون سبيلاً} (الفرقان:7ـ9).
ويتابع القرآن الكريم، الجانب الثاني من الحوار، في السورة نفسها في قوله تعالى: {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلاَّ إنَّهم ليأكلون الطَّعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربُّك بصيراً} (الفرقان:20).
ونلتقي ـ في هذا الاتجاه ـ بالآيات الكريمة التي تعرض الخطأ وتحاول أن تناقشه:
{وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجّر لنا من الأرض ينبوعاً * أو تكون لك جنَّةٌ من نخيل وعنبٍ فتفجِّر الأنهار خلالها تفجيراً * أو تُسقط السَّماء كما زعمت علينا كِسفاً أو تأتي باللّه والملائكة قبيلاً * أو يكون لك بيتٌ من زخرف أو ترقى في السَّماء ولن نؤمن لرُقيِّك حتى تُنزِّل علينا كتاباً نقرأهُ قل سبحان ربِّي هل كنت إلاَّ بشراً رسولاً * وما منع النَّاس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلاَّ أن قالوا أبعث اللّه بشراً رسولاً * قل لو كان في الأرض ملائكةٌ يمشون مطمئنين لنزَّلنا عليهم من السَّماء ملكاً رسولاً} (الإسراء:90ـ95).
نلاحظ ـ في هذه الآيات ـ أنَّهم من منطلق تصوّرهم الخاطئ واجهوا الرّسول بهذه المقترحات باعتبارها الأساس لإثبات رسالته؛ كونها تمثّل ما يتمتع به من القدرات غير العادية.. وكان الجواب الهادئ البسيط منطلقاً من تأكيد فكرة البشرية التي لا تلتقي مع كلّ هذا الحشد من الاقتراحات، واعتبار الرسالة ـ بعد ذلك ـ هي الميزة الوحيدة التي تميّزه عن الآخرين، ممّا هو غير عادي في حياته.. ثمَّ تضيف الآية تقرير التصوّر الخاطئ في تاريخ الشعوب التي عايشت النبوّات، الذي يقضي برفض فكرة الرّسول ـ البشر، لمنع النّاس من الإيمان.. ثمَّ وضعت الفكرة في إطارها الطبيعي من جانبين:
البشرية شرط ضروري للانسجام بين الرّسول وأتباعه:
الجانب الأول: هو استبعاد هذه الفكرة الخاطئة، باعتبار أنَّها لا تستند إلى أيّ شيء أساسي، والتأكيد على أنَّ الأمر الطبيعي هو أن يكون بشراً.. كشرط ضروري لتحقيق الانسجام بين الرّسول وأتباعه، لتكون العلاقة بينهما علاقة طبيعية، لأنَّ مهمته ليست البلاغ فحسب.. بل التجسيد الحيّ للفكرة.. حتى يكون عمله تجسيداً حيّاً للرسالة.. إذ لو لـم يكن بشراً بل كان ملكاً، أو كان بمستوى أعلى من المستوى البشري في طاقاته، لأمكن النّاس أن لا يعتبروا التطبيق العملي الذي كان يمارسه ـ دليلاً على واقعية الرسالة وإمكانية تطبيقها من قِبل الآخرين. وهذا ما عبّر عنه القرآن الكريم بصورة واضحة، حيث اعتبر أنَّ طبيعة الانسجام بين الرّسول وأتباعه توجب أن يرسل اللّه إلى الأرض ملكاً رسولاً، فيما إذا كان المجتمع الذي أرسل إليه في الأرض مجتمع ملائكة.
الجانب الثاني: التركيز على خطأ الفكرة من زاوية أخرى، وهي أنَّنا لا نشعر بضرورة حصول الرّسول على قوّة غير عادّية، لأنَّ مهمته ليست تغيير النظام المألوف للكون، أو القيام بحركات استعراضية خارقة للعادة، ليلفت الأنظار إليه أو ليحصل على زهو العظمة التي تخضع لها القلوب والأبصار، ليحتاج إلى تلك القوّة في تحقيق ذلك، بل مهمته الوحيدة هي الرسالة، وشرطها الوحيد أن يتمتع بالطاقات التي تؤهّله لتلقّي تلك الرسالة بالوحي، والقدرة على حملها وإبلاغها للنّاس.. ثمَّ القدرة العملية على تطبيقها وقيادة النّاس لذلك.. أمّا في غير ذلك، فإنَّ القضية تخضع لتخطيط اللّه له؛ ممّا يملك من معلومات يمنحها اللّه أو من حيث المعجزة التي يمكنَّه اللّه منها.
الملامح العامة لدعوة الأنبياء:
وقد نلمس وضوح هذه الفكرة في كثير من الآيات القرآنية التي تحدّثت عن الأهداف التي انطلقت من أجلها الرسالات، ما يجعل للمهمة الرسالية إطارها المحدود الذي تلخصه كلمتان: الدعوة والتشريع وتغيير الواقع، ليستطيع النّاس من خلال ذلك أن يمارسوا حياتهم بسلام يرتكز على العدالة والرحمة والتعاون والخير الكبير.
فقد جاء في قوله تعالى، بعض الملامح العامة لدعوة الأنبياء بشكل عام: {كان النّاس أمّة واحدة فبعث اللّه النَّبيِّين مبشِّرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحقِّ ليحكم بين النّاس فيما اختلفوا فيه إلاَّ الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البيِّنات بغياً بينهم فهدى اللّه الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحقِّ بإذنه واللّه يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم} (البقرة:213).
{لقد أرسلنا رُسُلنا بالبيِّنات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم النَّاس بالقسط..} (الحديد:25).
وقال تعالى: ـ في حديثه عن رسالة النبيّ محمَّد (ص) وطبيعتها وأهدافها العامة. {هو الذي بعث في الأمِّيِّين رسولاً يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلِّمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين..} (الجمعة:2).
{إنّا أنزلنا إليك الكتاب بالحقِّ لتحكم بين النّاس بما أراك اللّه ولا تكن للخائنين خصيماً} (النساء:105).
{الذين يتَّبعون الرّسول النبيّ الأمّيَّ الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويُحلُّ لهم الطيّبات ويُحرِّم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم} (الأعراف:157).
فقد نلاحظ ـ بوضوح ـ تحديد المهمّات الرسالية للأنبياء في وضع الخطوط العامة للفكر والتشريع من أجل أن ينطلق الحكم على أساس الحقّ، وميزان العدل، وفي رعاية النّاس بما يخفّف عنهم أغلالهم وأثقالهم التي ترهقهم وتعطّل مسيرتهم في بناء الحياة على قاعدة ثابتة، وفي تركيز الأسس التي تلتقي عليها مصالح النّاس وأفكارهم، من أجل إخضاع الاختلافات إلى الحكم العدل الذي لا ينحرف ولا يجور، وبالتالي، إشاعة السلام القائم على الرحمة والعدل.
وفي ضوء ذلك، لا نجد أمامنا ـ في هذا الإطار ـ أيةّ ضرورة تفرض اتصاف النبيّ بالقدرات غير العادية التي يستطيع ـ معها ـ أن يصنع كلّ شيء خارق للعادة في أيّ وقت وفي أيّة مناسبة، بل كلّ ما هناك، أن يملك النبيّ القدرة على حمل الرسالة وإبلاغها وتطبيقها بالحكمة والمرونة والقوّة.. في كلّ ما يحتاج إليه الداعية والمشرِّع والحاكم، ممّا يتعلّق بدعوته وشريعته وحكمه.. وبذلك يبطل التصوّر المنحرف الذي كان يربط بين النبوّة وبين القوّة الخارقة التي تصنع ما تشاء، بلا حدود.
النبوّة والتفوّق المطلق:
وقد يمكن لنا في هذا المجال أن نتحفظ في ما يفيض فيه الكثيرون من علماء الكلام، عندما يتحدّثون عن صفات النبيّ ـ أيّ نبيٍّ كان ـ فيوجبون له التفوّق في كلّ علم وفي كلّ صفة ذاتية، انطلاقاً من القاعدة العقلية المعروفة لديهم، وهي قبح قيادة المفضول للفاضل.. فإذا لـم يكن النبيّ في مستوى القمة في كلّ شيء، لـم يصلح لمركز القيادة الحياتية للنّاس.
وقد يتطرف البعض فيوجب أن يكون النبيّ أجمل النّاس، وأشجعهم، وأقواهم في عضلاته، إلى غير ذلك من الصفات الجسمية التي لا ترتبط بالنبوّة ولا بالقيادة من قريب ولا من بعيد.. وهذا ما نلاحظه في أوضاع القيادات في العالـم.. حتى العسكرية منها.. بحيث لا يتوجب أن يكون القائد أكثر شجاعة من جنوده، فربَّما يكون الكثير من جنوده أشجع منه، لأنَّ دوره الأساسي ـ كقائد ـ ليس هو خوض المعركة مباشرة، بل يتمثّل دوره القيادي في الفكر العسكري الذي يعرف كيف يخطط للمعركة وكيف يواجه التطبيق العملي للخطط المرسومة.
وهكذا نجد القضية في كلّ جانب من الجوانب الحياتية التي لا تتطلب في القيادة إلاَّ أن تكون في مركز التفوّق والكمال في القطاع الذي تتولّى قيادته.
إنَّنا نسجل تحفّظنا الشديد حول هذا كلّه، لأنَّ دور النبيّ لـم يكن هو دور المؤسس للعلوم الطبيعية والرياضية وغيرها(1)، ولـم تكن مهمته هي مهمة المعلّم للألسن واللغات، ولا أن يكون ملماً بجميع العلوم وبجميع اللغات، فضلاً عن أن يكون متفوقاً من زاوية نبوّته، بل المهمة الأساسية ـ كما حدّدها القرآن الكريم في الآيات المتقدمة ـ تتجلى في الإرشاد والإبلاغ والإنذار وتعليم النّاس الكتاب والحكمة، وقيادتهم إلى تطبيق ذلك كلّه على حياتهم، ليخرج النّاس من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراط العزيز الحميد.
ولعلّنا نفهم ذلك كلّه من التأكيد على جانب البشرية الموصولة بالوحي، والتركيز على الرفض المطلق لعلم الأنبياء بالغيب إلى المستوى الذي لا يستطيع النبيّ أن يدفع عن نفسه السوء، أو يجلب لها الخير الذي يخفيه المستقبل، كما في قوله تعالى:[sup] {قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضرّاً إلاَّ ما شاء اللّه ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسَّني السُّوء إن أنا إلاَّ نذيرٌ وبشيرٌ لقوم يؤمنون} (الأعراف:188).
{قل ما كنت بدعاً من الرُّسُل وما أدري ما يُفعل بي ولا بكم إن أتَّبع إلاَّ ما يُوحى إليَّ وما أنا إلاَّ نذيرٌ مبين} (الأحقاف:9).
ولكن اللّه قد يخص نبيّه ببعض المعلومات الخاصة، كما تشير إلى ذلك الآية الكريمة:
{عالـمُ الغيب فلا يُظهر على غيبه أحداً * إلاَّ من ارتضى من رسول فإنَّه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً} (الجن:26ـ27).
وتتحدّث بعض الآيات عن موضوع العلم باللغات، وتشير إلى أنَّ هذا الأمر وارد بالنسبة إلى النبيّ، كما في قضية اتهام الكفّار للنبيّ، بأنَّ هناك إنساناً يقوم بتعليمه، فيجيء الردّ القرآني عليها حاسماً، باعتبار أنَّ هذه التهمة لا تصحّ، لأنَّ القرآن جاء بلسان عربي مبين، والشخص الذي ينسبون إليه تعليم النبيّ من الأعجميين، ومن الطبيعي أنَّ هذا الرد لا يصلح لإفحام الكفّار إلاَّ إذا كان النبيّ لا يعلم لغة هذا الأعجمي.. لأنَّه ـ في هذه الحالة ـ لا يستطيع أن يفهم منه، أو يقوم بمهمة الترجمة لما يمليه عليه ذلك من أحاديث التوراة والإنجيل وغيرهما.
قال تعالى: {ولقد نعلم أنَّهم يقولون إنَّما يُعلِّمُهُ بشرٌ لسانُ الذي يُلحدون إليه أعجميٌّ وهذا لسانٌ عربيٌّ مبينٌ} (النحل:103).
إنَّنا نتحفظ على ما ورد، في إطار الفكرة التي تربط النبوّة بالتفوّق المطلق في كلّ شيء، لأنَّ النبوّة لا تقتضي كلّ ما يقررونه.. ولكنَّنا لا نمانع في أن يكون للنبيّ أكثر الصفات المذكورة من ناحية واقعية موضوعية.. كميزة شخصية خاصة، لا كميزة نبوية حتمية في حساب الحكم العقلي القاطع كما يقولون.
الحوار في موضوع القرآن:
هل القرآن من كلام اللّه الذي أوحاه إلى محمَّد (ص) ليكون دليلاً لنبوّته وحجةً على النّاس، أو أنَّه من كلام محمَّد الذي أنشأه من نفسه، أو أخذه من أحاديث الأوّلين، وتعلّمه من بعض أهل الكتاب؟!
كانت هذه الأسئلة تطرح في المجتمع العربي الذي انطلق منه الإسلام، كموضوع للتأمل والتفكير، إمّا للحصول على القناعة التامة من خلال الأجوبة المطروحة، وإمّا كإثارات تفتعل في مقام الاتّهام، لجعل النبيّ في مقام التحدي تجاه دعوته، باعتبار أنَّ القرآن يجسّد قوّة الدعوة الكبيرة في مجال إثبات الرسالة وامتدادها الحيوي في واقع الأمّة وحركتها.
وكانت المواجهة الرسالية في مستوى الرسالة التي تريد أن تواجه التحدي بالحوار الهادئ العميق الذي لا يريد أن يُفحم خصومه أو يُسكتهم، بل يحاول أن يقنعهم بصدقه وبما يؤمن به، أو يحطم عنادهم بالصدمات الفكرية القوية ليبدأوا بالتفكير من خلال الحياد الفكري، لا من قاعدة المشاعر العدائية للعقيدة..
وقد تمثّلت هذه المواجهة في حوار العقيدة بأسلوبين:
الأسلوب الأول: التحدي المضادّ، الذي يطلب من الآخرين أن يعملوا على مجاراته والإتيان بما يستطيعون، من حيث الكمية، ولو بسورة من مثله.. ولـم يقتصر هذا الطلب على فئة معينة من النّاس، بل امتدّ إلى الجن والإنس جميعاً، من أدنى مستوى إلى أعلى مستوى ثقافي، منفردين أو متعاونين.. ثمَّ ينطلق في أسلوب الواثق المطمئن ليدلّل على أنَّهم لا يملكون القدرة على ذلك ولو عملوا أجمعين، وبكلّ ما عندهم من طاقات وإمكانات.
ولـم ينقل التاريخ لنا أيّة تجربة جادة أو ناجحة في هذا المجال، بالرغم من أنَّ خصوم الإسلام كانوا يلجأون إلى أيّة محاولة يستطيعون من خلالها تسجيل موقف ناجح، أيّ موقف كان، ضدّ النبيّ ودعوته في كلّ حالة من حالات الصراع المرير الذي كانوا يخوضونه معه.. أمّا الفكرة التي انطلقت في هذا التحدي المضادّ لاتهاماتهم وشبهاتهم التي أثاروها ضدّ القرآن فقد ارتكزت على الأساس التالي:
وهو أنَّ القرآن، لو كان كلاماً بشرياً، في أيّ درجة من الدرجات، فلا بُدَّ من أن يلتقي ببعض المستويات الفكرية والثقافية في الحياة، ما يجعل أمر الإتيان بمثله، أو بنموذج مشابهٍ له، سواء أكان مساوياُ له أو كان أعلى منه، شيئاً ممكناً، فإذا لـم يتحقق ذلك، ولـم يستطع أحد مجابهته في ذلك كلّه، فستكون النتيجة مع الفكرة التي تثبت أنَّه كلام اللّه الذي لا كلام مثله أو فوقه.. وبهذا نعرف أنَّ الأسلوب هنا لـم يتجه إلى إسكات الخصم، بل اتجه إلى أن يجعل من التحدي طريقاً للإيمان بالفكرة الإسلامية المطروحة أمامهم، وهذا ما نستطيع أن نقرأه في الآيات التالية: {أم يقولون افتراه قل فاتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون اللّه إن كنتم صادقين} (هود:13).
{وإن كنتم في ريب ممّا نزَّلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون اللّه إن كنتم صادقين * فإن لـم تفعلوا ولن تفعلوا فاتَّقوا النّار التي وقودها النَّاس والحجارة أعدَّت للكافرين} (البقرة:23ـ24).
ويبلغ ذروة التحدي في قوله تعالى: {قل لئن اجتمعت الإنس والجنُّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً} (الإسراء:88).
الأسلوب الثاني: الطريقة العقلية التحليلية التي تحاكم الفكرة المضادّة، بحيث يتم طرح القضية أمام التفكير في مناقشة تحليلية هادئة.. وقد أثار القرآن الكريم هذا الأسلوب في نقاط ثلاث:
الأولى: الكشف عن تاريخ النبيّ الثقافي من عدّة جوانب:
1 ـ شخصيته الثقافية، فلم يسبق له أن قرأ الكتاب، أو خطّه بيمينه، أو انتمى إلى مدرسة كما أشار القرآن إلى ذلك في خطابه للنبيّ، وهو يوحي له بنوعية الأسلوب الذي يتبعه مع أصحاب الأفكار المخالفة والمضادّة، قال تعالى: {وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطُّه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون} (العنكبوت:48).
وقال تعالى: {وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاءُ من عبادنا وإنَّك لتهدي إلى صراط مستقيم} (الشورى:52).
ولـم يحدّثنا تاريخ النبيّ أنَّ أحداً من خصومه واجه هذه الآيات بالتكذيب أو بالإشارة إلى جانب يؤكد فكرة القراءة والكتابة، خلا بعض الافتراضات التي حدّثنا القرآن عنها ولكن دون أن تستند إلى شيء.
2 ـ ملاحظة تاريخ النبيّ في حياته مع قومه، قبل نزول القرآن، وذلك فيما يحدّثنا به قوله تعالى: {قل لو شاء اللّه ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عُمُراً من قبله أفلا تعقلون} (يونس:16).
فقد عاش النبيّ مع قومه قبل تكليفه بالرسالة مدة أربعين سنة، من دون أن تبدر منه أيّة إشارة، ولو في آية واحدة، أو فكرة معينة من أفكاره، بل كانت حياته وأحاديثه، تثار بطريقة عادية، ليس فيها أيُّ شيء يلفت النظر إلى مستقبل أمره من قريب أو من بعيد.. وفي هذا دلالةٌ كبيرة على أنَّ الرسالة لـم تتحرّك في أفكارها ولا في قرآنها من موقع الإمكانات الذاتية التي تخضع لطبيعة الأمور، لأنَّه من الصعب، بل من المستحيل عادة، على أيّ إنسان يستقبل فكرةٌ تنبع من تخطيطه وتفكيره، أن يعيش الصمت المطلق اتجاهها في أدوار تكاملها ونموّها في نفسه، لأنَّ سلوك الإنسان وأقواله يعتبر انعكاساً ـ عفوياً ـ لأفكاره وآرائه في الحياة، بحيث تصدر عنها، كما يصدر النور من الشمس، والماء من الينبوع، من دون إرادة أو اختيار.
3 ـ تاريخ البيئة التي نشأ فيها النبيّ وعاش، فالمجتمع العربي الذي كان البيئة الطبيعية للنبيّ محمَّد (ص) لا يساعد على ولادة فكر في مستوى الفكر القرآني الذي يجسّد عادة ألواناً من الثقافة تشمل كثيراً من شؤون المعرفة، كالتشريع والأخلاق والحديث عن أسرار الكون، والجوانب النفسية والاجتماعية والأخلاقية، بحيث لـم يكن المستوى الثقافي هو السمة التي تميّز ذلك المجتمع، كما نعرفه في تاريخ الجزيرة العربية التي كانت ثقافتها لا تتعدى الجانب الأدبي.
ولعلّنا نلمح الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى: {هو الذي بعث في الأمّيِّين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} (الجمعة:2).
وذلك انطلاقاً من وصف أفراد البيئة المكية بالأمّيِّين وبالضلال المبين. كما أنَّه لـم يعرف عن النبيّ (ص) أنَّه عاش في بيئة ثقافية أخرى، أو دخل المدارس الثقافية الموجودة في ذلك الوقت، بحيث لـم نجد هناك أيُّ أثر لأية رحلة طويلة سافرها النبيّ إلى تلك المدارس، بل كلّ ما هناك ـ في ما يحدّثنا تاريخ السيرة ـ رحلتان تجاريتان إلى بلاد الشام، لـم يتجاوز فيهما المرحلة التي تفرضها طبيعة الرحلة التجارية السريعة.. مع العلم أنَّهما كانتا في وقت متقدم على الهجرة.
النقطة الثانية: في الأسلوب العقلي للحوار في هذا الموضع. إنَّ الفكرة التي كانت تنسب القرآن إلى غير اللّه، تؤكد نسبته إلى إنسان غير عربي(1)، ولـم يعرف عن النبيّ ـ فيما أشرنا إليه ـ أنَّه كان يعرف لغة غير اللغة العربية، فكيف يمكن أن يكون التعليم، وكيف يمكن أن تحصل الترجمة، ولو كان الكلام مستمداً من ذلك الإنسان لكان الكلام غير عربي، كما قال اللّه تعالى: {ولقد نعلم أنَّهم يقولون إنَّما يعلِّمه بشرٌ لسانُ الذي يُلحدون إليه أعجميٌّ وهذا لسانٌ عربيٌّ مبينٌ} (النحل:103).
النقطة الثالثة: إنَّ القرآن يمثّل وحدة فكرية جاءت بشكل متوافق ومنسجم في كلّ ما أثاره من قضايا ومفاهيم، وما خطط فيه من تشريع.. بينما تقتضي الفكرة التي تنسبه إلى النبيّ محمَّد (ص) أن يحصل فيه التناقض والاختلاف، لأنَّه نزل متفرقاً، في مواضع مختلفة، وأزمان متباعدة، وظروف متباينة تختلف في طبيعتها ونتائجها، ما يجعل الفكرة تختلف من وقت لآخر. أو توجب نسيان الإنسان في حالة ما يقرره في حالة أخرى، وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة: {أفلا يتدبَّرون القرآن ولو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} (النساء:82).
وهكذا نجد من خلال كلّ ما عرضناه من هذه الأساليب التي واجه بها النبيّ محمَّد (ص) خصومه الذين كانوا يثيرون الشكوك إزاء نسبة القرآن إلى اللّه، إنَّه كان يواجهها بأسلوب حواري أريد له أن يفضي إلى نتيجة إيجابية في جانب المعرفة والقناعة بالفكرة من خلال الدليل والحجة لا من خلال الأجواء العاطفية التي لا تستند إلى أساس متين مقبول.
صفات النبيّ الشخصية .. أمام الحوار:
وكانت التحدّيات الشخصية التي قام بها خصوم الدعوة الإسلامية، في مقدمة التحديات التي أرادوا منها تشويه صورة النبيّ في نظر النّاس.. وقد حاولوا أن يلصقوا به أيّة صفة كانت تجعل منه إنساناً عادياً ككثير من النماذج الإنسانية الموجودة في المجتمع.. فكانت صفة الشاعر.. وكانت صفة الساحر، من بين الصفات التي توحي للآخرين أن يتخذوا من كلامه الموقف نفسه الذي يتخذونه من الشعراء والكهّان.. ما يجرّده من أيّ نوع من أنواع القداسة أو الامتداد والشمول، وبالتالي إقصاؤه عن الدور القيادي أو التغييري في حياة الأمّة، ولـم يقتصروا على ذلك في تشويه الصورة.. فكانت صفة الجنون الانفعالية المحمومة التي كانت تتابع الكلمات التي تُثار عندها دون تفكير، تماماً كما ينطلق الصدى في الحياة.
قال تعالى: { وقال الذين كفروا للحقّ لما جاءهم إن هذا إلاَّ سحرٌ مبينٌ} (سبأ:43).
{وعجبوا أن جاءهم منذرٌ منهم وقال الكافرون هذا ساحرٌ كذَّابٌ} (ص:4).
وواجه النبيّ هذه المواقف بصفته النبوّية، لأن ذاته لـم تكن تمثّل شيئاً بالنسبة إليه إلاَّ بمقدار ارتباطها برسالته، ولذا فإنَّ جملة التشويه التي كانت تستهدفه لـم تكن لتثير لديه أيَّ ردّ فعل إلاَّ من خلال حاجة الرسالة إلى ما يحميها من التشويه الذي يسيء إلى أثرها العملي في حياة النّاس.. فدعاهم إلى أن يوازنوا بين الشعر، من خلال القضايا التي يثيرها الشعراء، والأجواء التي يعيشونها، والأساليب التي يتبعونها، وبين القرآن في قضاياه وأجوائه وأساليبه، ليروا أنَّه بعيدٌ كلَّ البعد عن الشعر وزناً وقافيةً.. وهكذا كان الأمر ـ في موضوع السحر والكهانة ـ فلم يكن القرآن كتاباً يعتمد على خداع أبصار النّاس وأفكارهم، أو النفاذ إلى غيب الماضي والمستقبل في قضاياهم الخاصة، كما يفعل السحرة والكهّان، بل هو كتاب ينطلق إلى أفكار النّاس وحياتهم على أساس الفكرة الواعية العميقة الواسعة، والكلمة الهادئة، والأسلوب المرن الحكيم، ليقتنعوا به من خلال مقوِّمات القناعة لديهم.
قال تعالى: {إنَّه لقول رسولٍ كريم * وما هو بقول شاعرٍ قليلاً ما تؤمنون * ولا بقول كاهنٍ قليلاً ما تذكّرون * تنزيلٌ من ربِّ العالمين} (الحاقة:40ـ43).
{وما علّمناه الشِّعر وما ينبغي له إن هو إلاَّ ذِكرٌ وقرآنٌ مبينٌ} (يس:69).
{ويقولون أئنَّا لتاركو آلهتنا لشاعرٍ مجنون * بل جاء بالحقِّ وصدَّق المرسلين} (الصافات:36ـ37).
وتنقل لنا السيرة النبوّية الشريفة قصة الرفض العفوي الذي قابل به الوليد بن المغيرة وهو أحد كفّار قريش، فكرة أن يكون القرآن شعراً، أو حديث كهانة.. عندما سمع شيئاً من القرآن وتأثر به، فقالت قريش صبأ، واللّه، الوليد، ولتصبونّ قريش كلّهم، فأوفد إليه أبا جهل، يثير كبرياءه واعتزازه بنسبه وماله، ويطلب إليه أن يقول في القرآن قولاً ليعلم به قومه، أنَّه كارهٌ له، قال: فماذا أقول، فواللّه ما منكم رجل أعلم مني بالشعر ولا برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن، واللّه ما يشبه الذي يقوله شيئاً من هذا، واللّه إنَّ لقوله لحلاوة، وإنَّ عليه لطلاوة، وإنَّه ليحطم ما تحته، وإنَّه ليعلو وما يُعلى. قال أبو جهل، واللّه لا يرضى قومك حتى تقول فيه، قال فدعني أفكر فيه. فلمّا فكر، قال: إن هذا إلاَّ سحرٌ يؤثر، أمّا رأيتموه يفرّق بين الرّجل وأهله ومواليه. وفي ذلك نزل القرآن الكريم كما جاء في الرِّواية:
{ذرني ومن خلقتُ وحيداً * وجعلت له مالاً ممدوداً * وبنين شهوداً * ومهَّدت له تمهيداً * ثمَّ يطمع أن أزيد * كلاَّ إنَّه كان لآياتنا عنيداً * سأرهقُهُ صعوداً * إنَّه فكَّر وقدَّر * فقُتل كيف قدَّر * ثمَّ قتل كيف قدَّر * ثمَّ نظر * ثمَّ عبس وبسر * ثمَّ أدبر واستكبر * فقال إن هذا إلاَّ سحرٌ يؤثر * إن هذا إلاَّ قول البشر} (المدثر:11ـ25).
ولكنَّ هذه القصة ترد بشكل آخر في سيرة ابن هشام، حيث جاء في الرِّواية:
»إنَّ الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش وكان ذا سنٍّ فيهم، وقد حضر الموسم، فقال لهم: يا معشر قريش، إنَّه قد حضر هذا الموسم، وإنَّ وفود العرب ستقدم عليكم فيه، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا، فأجمعوا فيه رأياً واحداً، ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضاً ويردّ قولكم بعضه بعضاً، قالوا: فأنت يا أبا عبد شمس، فقل وأقم لنا رأياً نقول به؛ قال: بل أنتم فقولوا أسمع؛ قالوا: نقول كاهن، قال: لا واللّه ما هو بكاهن، لقد رأينا الكهّان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه، قالوا: فنقول مجنون؛ قال: ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون وعرفناه، فما هو بخنقِه ولا تجالجِه ولا وسوسته قال: فنقول شاعر، قال: ما هو بشاعر لقد عرفنا الشعر كلّه رجزَه وهَزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه، فما هو بالشعر؛ قالوا: فنقول ساحر، قال: ما هو بساحر، لقد رأينا السُحَّار وسحرهم فما هو بنفثهم ولا عقدهم، قالوا فما نقول يا أبا عبد شمس؟ قال: واللّه إنَّ لقوله لحلاوة، وإنَّ أصله لعذق، وإن فرعه لجناة ـ قال ابن هشام: ويُقال لعذق ـ وما أنتم بقائلين من هذا شيئاً إلاَّ عُرف أنَّه باطل، وإنَّ أقرب القول فيه لأن تقولوا ساحر، جاء بقول هو سحر يُفرّق به بين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجه، وبين المرء وعشيرته. فتفرّقوا عنه بذلك، فجعلوا يجلسون بسُبُل النّاس حين قدموا الموسم لا يمرّ بهم أحد إلاَّ حذروه إيّاه وذكروا له أمره، فأنزل اللّه في الوليد بن المغيرة(1)" وفي ذلك قوله: {إنَّه فكّر وقدَّر * فقُتل كيف قدَّر * ثمَّ قتل كيف قدَّر * ثمَّ نظر * ثمَّ عبس وبسر * ثمَّ أدبر واستكبر * فقال إن هذا إلاَّ سحرٌ يؤثر * إن هذا إلاَّ قولُ البشر} (المدثر:18ـ25).
ومن الطبيعي، أنَّ كلمة السحر هذه التي اختارها الوليد لتكون تهمة تبطل دعوى الرسالة.. ليست هي ما ينطلق به أسلوب السحرة.. بل هو السحر الذي يأخذ بمجامع القلب لروعة الفكرة والكلمة والأسلوب.
أمّا صفة الجنون فقد كانت من الكلمات التي لا تقنع حتى أصحابها.. بل هي من قبيل الكلمات التي تلقى دون وعي، وبلا معنى.. ولذلك نرى القرآن الكريم ينقل لنا الأسلوب الذي اتّبعه النبيّ في حواره مع متهمه طالباً منهم أن يراجعوا م
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
السيرة النبوية: مع المنكرين للنبوة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» موسوعة السيرة النبوية
» السيرة الذاتية للأستاذ الدكتور الوزير/ يسرى صابر الجمل
» من هو وزيرالتربية والتعليم الجديد..السيرة الذاتية لـ وزير التربية و التعليم الجديد

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
موقع مدرسة الدروتين الاعدادية المشتركة - ELDERWATEEN PREP SCHOOL :: منتدى اسلامى :: منتدى السيرة النبوية-
انتقل الى:  
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم
المواضيع الأكثر شعبية
اسهل طرق للانتحـــــار بدون الم
برنامج لحل مسائل الرياضيات مع توضيح خطوات الحل لكل مسألة
خطة اللجنة الدينية والثقافية ( خطة مقترحة )
خطة اللجنة العلمية
موقع البستان الدراسات الاجتماعية الصف الثانى الاعدادى
شرح دراسات اجتماعية صوت وصورة الصف الثانى ترم ثان
شرح الدراسات الاجتماعية الصف الثانى
منهج العلوم كامل شرح صوت وصوره الصف الثالث الاعدادى
اسطوانة الاضواء التعليمية
قصه تامر حسنى
المواضيع الأكثر نشاطاً
موضوع الكشف عن الاعضاء
ماهو الحمار الذى يجب ان نبيعه
قصه تامر حسنى
عذاب الحب
ما معنى كلمه احبك لوحد عنده راى تانى يقوله ماشى ياجماعه
صـــــــــــــــــــرخــــــــــــــــــــــه عذاب
شرح دراسات اجتماعية صوت وصورة الصف الثانى ترم ثان
قصص عن الجن ممنوع دخول الخوافين
صور اناقه المراه روعه
من تصورتهم أصدقاء
أفضل 10 فاتحي مواضيع
ابوشلبى
السيرة النبوية: مع المنكرين للنبوة Vote_rcapالسيرة النبوية: مع المنكرين للنبوة Voting_barالسيرة النبوية: مع المنكرين للنبوة Vote_lcap 
خالد & جمى
السيرة النبوية: مع المنكرين للنبوة Vote_rcapالسيرة النبوية: مع المنكرين للنبوة Voting_barالسيرة النبوية: مع المنكرين للنبوة Vote_lcap 
احمد صبرى الشافعى
السيرة النبوية: مع المنكرين للنبوة Vote_rcapالسيرة النبوية: مع المنكرين للنبوة Voting_barالسيرة النبوية: مع المنكرين للنبوة Vote_lcap 
kamal@كيمو
السيرة النبوية: مع المنكرين للنبوة Vote_rcapالسيرة النبوية: مع المنكرين للنبوة Voting_barالسيرة النبوية: مع المنكرين للنبوة Vote_lcap 
TEACHER
السيرة النبوية: مع المنكرين للنبوة Vote_rcapالسيرة النبوية: مع المنكرين للنبوة Voting_barالسيرة النبوية: مع المنكرين للنبوة Vote_lcap 
بنت الشاطئ
السيرة النبوية: مع المنكرين للنبوة Vote_rcapالسيرة النبوية: مع المنكرين للنبوة Voting_barالسيرة النبوية: مع المنكرين للنبوة Vote_lcap 
Admin
السيرة النبوية: مع المنكرين للنبوة Vote_rcapالسيرة النبوية: مع المنكرين للنبوة Voting_barالسيرة النبوية: مع المنكرين للنبوة Vote_lcap 
حجازى
السيرة النبوية: مع المنكرين للنبوة Vote_rcapالسيرة النبوية: مع المنكرين للنبوة Voting_barالسيرة النبوية: مع المنكرين للنبوة Vote_lcap 
محمد الدسوقى
السيرة النبوية: مع المنكرين للنبوة Vote_rcapالسيرة النبوية: مع المنكرين للنبوة Voting_barالسيرة النبوية: مع المنكرين للنبوة Vote_lcap 
اشرف مصطفى2010
السيرة النبوية: مع المنكرين للنبوة Vote_rcapالسيرة النبوية: مع المنكرين للنبوة Voting_barالسيرة النبوية: مع المنكرين للنبوة Vote_lcap 
جميع الحقوق محفوظة لموقع مدرسة الدروتين الاعدادية