[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] GMT 6:30:00 2010 الإثنين 5 أبريل
على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة، والفجوة الشاسعة بين الأسعار و الأجور، أصر المصريون على تحدي ظروفهم و التغلب على الصعوبات التي تقف حائلًا أمام احتفالهم بيوم شمّ النسيم . وقرر الملايين في المحافظات كلّها الخروج الى الحدائق و المنتزهات لممارسة طقوس معتادة منذ زمن الفراعنة، وسط إجراءات واستعدادات غير عادية من كافة الأجهزة التنفيذية تحسبًا لوقوع أحداث او تداعيات يمكن ان تعكر صفو الاحتفال بهذا اليوم، الذي يحظى باهتمام خاص من جانب المصريين بانتماءاتهم كافة .القاهرة: يأتي عيد شم النسيم، الذي يصادف اليوم الثاني لاحتفال أقباط مصر بعيد القيامة، بعد فترة قصيرة من حادث نجح حمادي الذي راح ضحيته عدد من المسيحيين عشية عيد الميلاد بعد إطلاق النار عليهم بشكل عشوائي عقب خروجهم من الكنيسة .
وفرضت أجهزة الأمن إجراءات أمنية خاصة لتأمين دور العبادة المسيحية، كما عززت إجراءاتها الأمنية في الحدائق و المنتزهات و الشواطئ في الأماكن المختلفة . وأكد مصدر أمني لإيلاف انه "صدرت تعليمات بضرورة تكثيف وتشديد الإجراءات الأمنية في الحدائق والمنتزهات ودور السينما و المسارح، وتوسيع دائرة الاشتباه وفحص هويات القادمين والخارجين من المحافظات المختلفة ".
كما امتدت حالة الطوارئ الى أجهزة وزارة الصحة، حيث أعلنت المستشفيات حالة الطوارئ القصوى وجرى إلغاء إجازات الأطقم الطبية تحسبا لأي تداعيات صحية قد تحدث بسبب تناول المواطنين للفسيخ او الأسماك المملحة غير الصالحة للاستهلاك .
وكانت وزارة الصحة قد حذرت في وقت سابق من تناول الفسيخ نهائيا "لما يمثله من خطر داهم على الصحة قد تصل إلى إصابة الأشخاص بالشلل التام أو الوفاة"، وطالبت الوزارة المواطنين بسرعة التوجه إلى أقرب مستشفى أو مركز لعلاج السموم عند ظهور أي أعراض مرضية خلال 24 ساعة من تناول الفسيخ . وحذر عباس عبدالعزيز، عضو مجلس الشعب، من تعرض الشعب المصري لخطر التسمم، نتيجة تناول آلاف الأطنان من الفسيخ الفاسد سنويا، قدرت قيمتها بمليار ونصف المليار جنيه، خلال عيد شم النسيم.
ويعود التسمم الناتج من أكل الفسيخ إلى طريقة التحضير، والتي غالبا ما تكون غير آمنة من الناحية الصحية لقلة الملح الموجود في الفسيخ. وقد يلجأ البعض الى استخدام الأسماك الطافية على سطح الماء، والتي ماتت وتعرضت لأشعة الشمس وتحللت وأصبحت لها رائحة كريهة، ثم يضيفون عليها قليلا من الملح ويطرحونها للبيع على أنها فسيخ بعد ثلاثة أو أربعة أيام . وكثفت وزارة التضامن أيضا حملاتها التفتيشية ضد محلات الفسيخ وبائعي الأسماك وتمت مصادرة كميات هائلة من الأسماك المملحة الفاسدة والفسيخ في محافظات مختلفة .
بيد ان حملة الدعاية المضادة للفسيخ التي تقودها وزارة الصحة والحملات المكثفة لمفتشي التموين على بائعي الفسيخ قد تبدو "غير مجدية " مع الكثير من المواطنين الذين يرون أن "شم النسيم لا يكون له طعم او رائحة من دون الفسيخ و الأسماك المملحة "، وفقا لقول عبد العظيم محمد .
ويقيم عبد العظيم في القاهرة وقرر اصطحاب أسرته المكونة من زوجته وثلاثة أطفال الى قريته الريفية في محافظة المنوفية لقضاء يوم شم النسيم . وقال لإيلاف في موقف عبود، الموقف الرئيس لسيارات اجرة الأقاليم، "اعتدت في هذه المناسبة كل عام ان اصطحب أسرتي الى قريتي، الجو هناك جميل و الرحلة غير مكلفة مقارنة طبعا بالمنتزهات و القرى السياحية ". وحرص عبد العظيم على شراء الفسيخ والرنجة والسردين والبصل والخس وغيرها من المظاهر المرتبطة بهذا اليوم.
المشهد في موقف عبود كان مثيرا للانتباه، زحام غير عادي من المواطنين الخارجين من القاهرة الى الأقاليم لقضاء اليوم وسط الزراعات و الخضرة، وعلى الرغم من قلة السيارات وعلامات التذمر التي تبدو على وجوههم من طول الانتظار إلا انه يبدو عليها إصرار غريب ورغبة ملحة للاستمتاع بهذا اليوم، مشهد يعكس اهتمام وحرص قطاع كبير من المصريين على استمرار تقليد وعادة موروثة منذ عصور الفراعنة حتى اليوم .
اقتربت إيلاف من شخص آخر اسمه الأول رجب، وقال انه على الرغم من ارتفاع أسعار الرنجة و الفسيخ هذا العام، إلا أنه قرر الاقتصاد في النفقات واشترى نصف الكمية التي اشتراها العام الماضي . وقال "لا أستطيع أن أحرم أولادي من التنزه في شم النسيم، لكني لا أقدر على مصاريف مدن الملاهي والمطاعم الخاصة، أعتقد أن القناطر الخيرية بديل مناسب لظروفي المادية ".
وتبدأ أسعار الفسيخ من 40 جنيها للكيلو، ويتضاعف المبلغ في الأحياء الراقية بالنسبة إلى الفسيخ المميز، بينما الرنجة تبدأ من 14 جنيها للكيلو وتصل حتى 30 جنيها للكيلو. ويشكو المصريون من الارتفاعات المتزايدة في أسعار السلع مقارنة بالأجور التي أصبحت متدنية . وشهدت الأيام الماضية تظاهرات أمام البرلمان المصري للمطالبة بزيادة الأجور و الرواتب، حيث ان 10% من المصريين يتمتعون بأجور لائقة، وفقا لتقرير أمناء الاستثمار . وكشفت تقارير ان مصاريف الأسرة المتوسطة المصرية زادت بنسبة تفوق 100% خلال عام ، وطبقا للبنك الدولي فإن 20% من الـ78 مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر بمعدل دولارين يوميا.
يذكر ان شم النسيم هو عيد فرعوني قديم، بحسب بعض المؤرخين، ويعتبر إجازة رسمية على مستوى الدولة المصرية وترجع تسمية "شم النسيم" بهذا الاسم إلى الكلمة الفرعونية "شمو"، وهو عيد يرمز عند قدماء المصريين إلى بعث الحياة، وكان المصريون القدماء يعتقدون أن ذلك اليوم هو أول الزمان، أو بدء خلق العالم كما كانوا يتصورون. وقد تعرَّض الاسم للتحريف على مرِّ العصور، وأضيفت إليه كلمة "النسيم" لارتباط هذا الفصل باعتدال الجو، وطيب النسيم، وما يصاحب الاحتفال بذلك العيد من الخروج إلى الحدائق والمتنزهات والاستمتاع بجمال الطبيعة.
وكان قدماء المصريين يحتفلون بذلك اليوم في احتفال رسمي كبير في ما يعرف بالانقلاب الربيعي، وهو اليوم الذي يتساوى فيه الليل والنهار، وقت حلول الشمس في برج الحمل. فكانوا يجتمعون أمام الواجهة الشمالية للهرم – قبل الغروب –؛ ليشهدوا غروب الشمس، فيظهر قرص الشمس وهو يميل نحو الغروب مقتربًا تدريجيًّا من قمة الهرم، حتى يبدو للناظرين وكأنه يجلس فوق قمة الهرم.
وفي تلك اللحظة يحدث شيء عجيب، حيث تخترق أشعة الشمس قمة الهرم، فتبدو واجهة الهرم أمام أعين المشاهدين وقد انشطرت إلى قسمين. وما زالت هذه الظاهرة العجيبة تحدث مع مقدم الربيع في الحادي والعشرين من مارس كل عام، في الدقائق الأخيرة من الساعة السادسة مساءً، نتيجة سقوط أشعة الشمس بزاوية معينة على الواجهة الجنوبية للهرم، فتكشف أشعتها الخافتة الخط الفاصل بين مثلثي الواجهة اللذين يتبادلان الضوء والظلال فتبدو وكأنها شطران