بسم الله الرحمن الرحيم
وأردت أن أشترك في هذا التأمل وأجيب: نعم أصبحت المرأة المصرية تخاصم الأناقة - فيما عدا قلة تسمح لهن ظروفهن الاجتماعية والمادية والنفسية والثقافية بهذه الصفة، وأصبحت المرأة المصرية تخاصم الأناقة منذ دخول هذا الكرنفال العجيب الذي نراه في شوارعنا من الأزياء وملابس جميع الدول العربية والأجنبية أيضاً، عباءات خليجية، إسدالات إيرانية، تصميمات باكستانية بنطلونات وفساتين مصرية، نقاب الوجه والكفين، حجاب إيراني ولفة إسبانية، أزياء أوروبية تحتها أكمام طويلة وبنطلونات ضيقة، ملابس داكنة سوداء وبنية تجرجر أطرافها حتي تصل إلي تراب الطريق.
هذا في الشارع، أما في الحفلات الخاصة والعامة والشواطئ والسهرات فتري الوجه الآخر من الأزياء المفتوحة - المكشوفة، المختصرة جداً التي تكشف عن الجسم في بجاحة تخاصم الأناقة أيضاً.
لم يعد في الشارع المصري هوية واضحة لملابس السيدات، كل الطرز موجودة، مجموعة من الفتيات المصريات يسرن لا تعرف من منهن المصرية وغير المصرية إذا لم تسعفك الملامح أو اللهجة التي يتحدثن بها، ولنعترف أيضاً في صراحة أن المسيحيات في مصر أصبح تميزهن واضحاً مع انتشار ظاهرة الحجاب وكثيرات منهن يلجأن إلي ارتدائه في المواصلات العامة والميكروباصات حتي لا يتعرضن للمضايقة من جانب المتطرفين.
زمان كانت الملاية اللف الجميلة من الأزياء الشعبية المنتشرة في الأحياء الشعبية وكانت مع الخلخال والبرقع المزركش من الأزياء المصرية المميزة لبنات البلد وانقرضت الملاية اللف ولم تعد موجودة علي الإطلاق لا في الريف ولا في المدن، فقط في الأفلام الأبيض والأسود وفي لوحات الفنان العظيم محمود سعيد انقرض وراءها ولصالح الأزياء المستوردة الجلباب الجميل أيضاً للفلاحة المصرية المزركش الملون ومعه منديل الرأس مع أنه كان من أجمل الأزياء المصرية وأكثرها أصالة. انقرض لصالح الأزياء التي يطلقون عليها شرعية، وعلي رأسها العباءة وآخرها الإسدال الإيراني.
كانت المرأة المصرية أنيقة تلبس أحدث الأزياء الأوروبية وتطورها بما يتفق مع الاحتشام، وكانت المصريات من الطبقة الثرية والطبقة المتوسطة قادرات مادياً وثقافياً علي متابعة أحدث خطوط الموضة التي كانت تعرض في المحال الكبري التي تشبه المحال الأوروبية في معمارها ونظام البيع والشراء بها حتي تم تأميمها وتحويلها إلي ممتلكات القطاع العام فأصبحت تشبه محال البقالة في الأحياء الشعبية، أخذناها من الأجانب وعندما تدهورت نبيعها الآن للعرب.
كانت الأناقة والشياكة والرشاقة أيضاً من سمات المرأة المصرية التي كانت تحسدها كل نساء العرب حولنا حتي النساء الفقيرات في البيوت البسيطة والحواري الضيقة كن يقلدن الأخريات ولا تخلو ملابسهن من أناقة ظاهرة.
المرأة المصرية خاصمت الأناقة الآن، لأسباب ثقافية بعدما تراجع التعليم وتراجعت الثقافة، ولأسباب اقتصادية بعدما انتشر الفقر الذي تصحبه دائماً البدانة من جراء الغذاء غير المتوازن الذي تغلب عليه النشويات ولأسباب يتم ترويجها علي أنها دينية تفرض مواصفات حادة لزي المرأة الذي لابد أن يكون بلا ملامح وبلا لون حتي يكون شرعياً غير مثير أو لافت للنظر، ولأسباب ضيق اليد يبدو الزي الواحد عديم الملامح والذي يصلح ارتداؤه دون التقيد بخطوط الموضة أو حجم المرأة والذي لا يتغير ويتبدل بتغير المواسم والفصول يبدو ملائماً للمرأة الفقيرة التي لا تملك رفاهية التغيير والتبديل والاستغناء.
أصبحت المرأة المصرية غير أنيقة وهي تسير في شوارع مزدحمة وغير نظيفة وتركب مواصلات مكدسة وغير آدمية، وتعيش في مساكن يطل سكانها كل علي الآخر وتسير في طرقات تتعرض فيها للتحرش الجنسي السافر قولاً وفعلاً، وقلة الأدب حتي من الأطفال دون العاشرة، فأصبحت المرأة المصرية العادية مخاصمة للأناقة التي تعبر عن الإحساس بالجمال والتميز والتحضر فأين نحن الآن من هذه المعاني؟
لا الظروف السائدة مواتية ولا النظرة الحقيقية للمجتمع تجاه المرأة تدفعها إلي البحث عن الأناقة خارج المنزل، حيث إن وجودها أصلاً خارجه هو مخالفة دينية توجب العقاب حسب ما يطربنا به مشايخ الزوايا والفضائيات ليلاً ونهاراً.