الخطبة الثانية
أما بعد أيها الأخوة المؤمنون :
وينبغي أيضاً أن نواصل في الاستذكار ، وفي التنبيه على ما ينبغي أن نعرفه ونثبته ، فليس شيء عندنا يتغير ما دام آية من كتاب الله أو حديثاً صحيحاً من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليست عندنا ثغرات في قوانين تجدد أو في غير ذلك ، فنحن مرجعنا إلى هذه الشريعة المحكمة الحاكمة مصالح العباد وحقوق الإنسان فيها ، أليسوا يقولون لنا ذلك ، فنقول لهم ديننا جاء بأعظم مما تدعون وتقولون : { ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون } .
لم يرعى الإسلام حقوق الإنسان فحسب ، بل كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض ) ، وهو القائل - عليه الصلاة والسلام - : ( وفي كل كبد رطبة أجر ) .
العدالة التي ينشدونها أليس قول الله - عز وجل - يأمرنا بها ويدعونا إليها { وإذا حكمتم بين الناس أن تحكم بالعدل } .
أليس الإسلام هو الذي يرتفع بالإنسان والإنسانية أن تبقى مع العدالة وألا تنجرف مع العواطف وردود الأفعال : { ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى } . أي لا يحملنكم شنآن قوم - أي بغض قوم ومعاداتكم لهم - لا ينبغي أن تمنعكم العداوة أو البغض من إقامة العدل هذا هو ديننا ديموقراطيتهم التي يقولونها عندنا ما هو أفضل منها : {وأمرهم شورى بينهم } .
وخطاب الله لرسوله : { وشاورهم في الأمر فذا عزمت فتوكل على الله } .
وحديث أبو هريرة : " ما رأيت أحداً أكثر مشاورة لأحد من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه " .
يقولون الإنصاف ويقولون الرجوع إلى الحق ويقولون إقامة العدل ونقول : { ولمن انتصر من بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل } .
ونقول ما قاله الله : { لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلم } .
وكل هذا ظاهر معلوم حتى الحرية الشخصية قد جاء بها القرآن : { يا أيها الذين أمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه } ، وقبلها : { ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب } .
كل المعاني الإنسانية العالية السامية هي في ديننا وما عندهم ، إن كان حقاً فهو دونه أو إنه باطل يزيفون به على الناس ثم نحن اعتمادنا وتوكلنا على الله - سبحانه وتعالى - وإن خلت من بين أيدينا قوة وإن حُرمنا من شيء من أسباب المادة : { وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين } .
ونحن نثق بقول الله { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } .
ونتوكل على الله - سبحانه وتعالى - لأن ثقتنا له - جل وعلا - كبيرة بأنه هو صاحب القوة العظمى وما كان الله ليعجزه من شيء في الأرض ولا في السماء والله سبحانه وتعالى هو الذي على كل شيءٍ قدير ، ونحن نوقن بما علمنا الله عز وجل : { قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا } .
وكما علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الإيمان بالقضاء والقدر : ( وأعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ) .
ونحن نعلم حقيقة ما هو المقياس المرجوح ما هو الميزان غير المعتدل ما هو المكيال الذي يكون متزن في كل الأحوال ليس هو في ديننا بل ليس هو في أمتنا بل ليس هو في معاملتنا بل هو فيما رأينا من أقوال القوم في كثير من أحوال أعدائنا : { يريدون ليطفئوا نور الله والله متم نوره ولو كره الكافرون إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء } .
ويقول الحق عز وجل { ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا } ، ويخبرنا الله عز وجل في سياق الكلام عن اليهود { كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفئها الله } .
هكذا تخبرنا الآيات وحرمة المسلم عندنا مقررة والله عز وجل قد قال : { ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها غضب الله عليه ولعنه وأعد له جهنم وساءت مصيرا } .
انتبه لحديث البراء عند ابن ماجة في سننه بسند رجاله موثوقون : ( لَزوال الدنيا على الله أعظم من قتل امرئٍ مؤمن بغير حق ) .
والقوة لا الحكمة هي التي تظهر في واقعنا ، والتمييز لا المساواة والمكابرة لا المفاهمة والإساءة لا الإحسان ، أما إسلامنا أما ديارنا أما شريعتنا أما أمتنا فمن فضل الله - عز وجل - الحكمة فيها مقدمة على القوة والقوة فيها راعية للحق والإحسان فيها يقابل الإساءة : { ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌ حميم } ،فلنرجع إلى ديننا فلنتمسك بكتاب ربنا ، فلنعتصم بسنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - فلنؤكد وحدتنا فلنعرف حقائق ديننا ولنثبت ولننتبه إلى واقع حياتنا ، ولنعرف الحقائق من حولنا ، ولنعرف قبل ذلك مقررات ما جاء في كتاب ربنا وسنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبصرنا في ديننا وأن يعصمنا بالكتاب والسنة وأن يوحدنا على الحق وأن يجمعنا على الهدى والتقى .