عاما مضت على آخر مناسبة اكتفى فيها العرب بممثل واحد في نهائيات كأس
العالم، وهو المشهد الذي يتكرر هذا الصيف حين يحمل الجزائريون آمال
الجماهير بين المحيط والخليج في تحقيق نتيجة طيبة تعوض إخفاق بقية الفرق
العربية في التواجد بين فرق الصفوة.
وتأتي المشاركة المونديالية الثالثة للجزائر كتعويض لصبر الجماهير على
غياب امتد 24 عاما منذ آخر ظهور للجيل الذهبي الذي قاده ماجر وبلومي في
نهائيات 1986 بالمكسيك حين كان الشيخ رابح سعدان يتولى منصب المدير الفني
كما هو الحال الآن.
وتعتبر المشاركة الأولى في 1982 بإسبانيا هي الخالدة في ذاكرة محاربي
الصحراء، حيث شهدت كسرا لكبرياء الألمان (2-1) وفوزا آخر على تشيلي (3-2)،
إلا أن شبهة التواطؤ التي طالت لقاء النمسا وألمانيا (0-1) ظلت عالقة في
الأذهان كسبب محتمل لخروج الجزائر من الدور الأول.
ولكن ذلك الجيل الذهبي الذي ختم مسيرته بلقب كأس أمم أفريقيا في 1990
يبدو بعيدا عن الجيل الحالي الذي كونه سعدان من لاعبين أغلبهم من الشباب
المنتشرين في أوروبا والذين ولد معظمهم في فرنسا ومنهم من مثل منتخباتها
للناشئين.
ونجح سعدان منذ توليه المسئولية في 2007 في الصعود بالكرة الجزائرية من
أدنى مستوى وصلت إليه عبر تاريخها، فبعد الغياب عن نسختين لكأس الأمم، نجح
المدرب المخضرم ليس في العودة إلى الساحة القارية فحسب بل وتحقيق حلم
التأهل إلى كأس العالم.
ولم يكن الطريق أمام سعدان محفوفا بالورود، بل إنه افتتح التصفيات
بالإطاحة بالمنتخب السنغالي الذي يعتبر من القوى التقليدية في غرب
أفريقيا، قبل أن توقع القرعة محاربي الصحراء في الدور الحاسم مع الفريق
المصري الذي بسط سيطرته على كأس الأمم.
ونجح أبناء سعدان على مدار التصفيات في حصد 13 نقطة بواقع ست نقاط من
زامبيا وأربع من رواندا وثلاث من الفراعنة الذين تساووا معهم في النقاط
ليخوضوا لقاء فاصلا في أم درمان بالسودان انتهى لصالح الخضر بهدف المدافع
عنتر يحيى.
وفي كأس الأمم بأنجولا، بلغ الجزائريون الدور نصف النهائي بعدما أقصوا
كوت ديفوار المرشحة للقب (3-2) في مباراة ماراثونية بربع النهائي قبل
الخروج على يد مصر برباعية في لقاء عنيف أنهاه محاربو الصحراء بثمانية
لاعبين فقط.
واعتمدت توليفة سعدان الجديدة على دفاع صلب يقوده يحيى وبجواره رفيق
حليش ومجيد بوقرة، بجانب ظهير أيسر يجيد الأدوار الهجومية هو نذير بلحاج
وجميعهم في أندية أوروبية معروفة.
وتتميز الجزائر أيضا بقوة كبيرة على مستوى محور الارتكاز في ظل خبرة
القائد يزيد منصوري وإلى جواره حسان يبدا ومراد مغني المتألق مع لاتسيو
الإيطالي، وهم الثلاثي الذي إذا أضيف للدفاع يصعب من مهمة الخصم في الوصول
إلى مرمى الحارس فوزي شاوشي.
وعلى المستوى الهجومي، يعاني الجزائريون من عدم وجود رأس حربة هداف حيث
لم يتمكن عبد القادر غزال من إحراز أكثر من ثلاثة أهداف فقط بقميص
المنتخب، وهو ما يبرز أهمية المهاجم المساند رفيق صايفي بجانب صانع ألعاب
كريم زياني والصاعد كريم مطمور.
وعلى الرغم من هذه المعطيات الواضحة، إلا أن سعدان يواجه أكثر من مشكلة
قبل خوض غمار المونديال، أولها يتمثل في ابتعاد عدد من نجومه عن التشكيل
الأساسي لأنديتهم في الخارج، على رأسهم زياني الذي بات نسيا منسيا في
فولفسبورج الألماني بعدما كان نجما في مارسيليا.
كما تعرض الخضر بعد إنجاز المونديال لثلاث هزائم ثقيلة أثارت علامات
الاستفهام حول ما ينتظرهم في المونديال حتى وإن كان لكل واحدة ما يبررها
أمام الإعلام الذي مازالت حربه مع نظيره المصري لم تضع أوزارها في بعض
الوسائل.
فالجزائريون الذين يرغبون في تأكيد أحقيتهم ببطاقة المونديال على حساب
مصر فوجئوا بهزيمة بثلاثة أهداف دون رد على يد مالاوي المتواضعة في كأس
الأمم الأفريقية وهي التي بررها اللاعبون حينها بتوقيت إقامة المباراة
ظهرا تحت الشمس الحارقة التي تختلف عن أجواء أوروبا حيث يلعبون مع أنديتهم.
كما ألقت الصحف اللائمة في هزيمة نصف النهائي أمام مصر (0-4) على الحكم
البنيني كوفي كودجا الذي طرد ثلاثة لاعبين جزائريين علما بأنه أوقف لاحقا
من قبل الاتحاد الأفريقي (كاف) لـ"تساهله" مع الحارس شاوشي أثناء اعتراضه
بشكل ملفت على لعبة بالمباراة.
ثم جاءت مباراة ودية تحضيرية فاجأ فيها المنتخب الصربي الآلاف
المحتشدين في ملعب 5 جويلية بالعاصمة الجزائرية بتحقيقه فوز سهل بثلاثية
بيضاء شهدت أخطاء قاتلة من دفاع الخضر.
ودقت تلك النتائج ناقوس الخطر لسعدان الذي كان قد أكد قبل وقوعها قدرة
الجزائر على تجاوز الدور الأول في المونديال على الرغم من وقوعها في
مجموعة واحدة إلى جوار إنجلترا والولايات المتحدة وسلوفينيا.
وأمام ذلك اضطر سعدان إلى استدعاء بعض الأسماء التي لم يسبق لها تمثيل
الجزائر إلى قائمته الأولية مثل جمال مصباح مدافع ليتشي الإيطالي، وعدلان
قديورة لاعب وسط وولفز الإنجليزي، فضلا عن مدحي لحسن (راسينج الإسباني)
والذي لعب للمرة الأولى باسم بلاده أمام الصرب.
وعلى الرغم من كل ذلك، يدرك سعدان أن التأهل لدور الستة عشر يبقى ممكنا
شريطة تحقيق نتيجة إيجابية في اللقاء الأول ضد سلوفينيا، والذي سيغيب عنه
بلحاج للإيقاف، حتى لا يدخل الخضر المواجهة الأصعب ضد إنجلترا تحت ضغوط
كبيرة.
وربما يستفيد سعدان من قراره بترك تدريب المنتخب عقب المونديال في صورة
تحرره من الضغط العصبي، فضلا عن أن فريقه يحظى بدعم جماهيري كبير رغم
النتائج مثلما برهنت كأس الأمم، فضلا عن المساندة السياسية التي لعبت دورا
كبيرا تحقيق حلم الوصول إلى المونديال والذي قد يكتفي به بعض