مـع فصل الشتاء تصبح الإصابة بالنزلة الوافدة (الإنفلوانزا) شيئاً مؤكداً.. وتصبح ضيفاً ثقيل الهم على النفس والجسد، مما جعل علماء العالم يحذرون أن أحداً ليس في مأمن من أن يجتاحه وباء النزلة الوافدة التي يتغير فيروسها مع كل شتاء، لذا ينبغي الاستعداد لمواجهة هذا الفيروس الذي تكشر بعض سلالاته عن أنيابها إلى حد قتل من تصيبه بلا رحمة، ولعل ما وقع في هونج كونج عام 1997 من قتل 18 شخصاً بنزلة الدجاج القاتلة، أعاد للأذهان شبح النزلة الوافدة الأسبانية التي اجتاحت العالم خلال 4 أشهر في عام 1918، وحصدت أرواح 21 مليوناً من البشر منهم نصف مليون شخص في أمريكا وحدها
من هنا أولى مؤتمر الجمعية الأوروبية لأمراض الصدر- الذي انعقد أخيراً في العاصمة الأسبانية (مدريد)- مرض النزلة الوافدة عناية خاصة في جلسة متميزة، للتعريف بفيروساتها وأخطارها على صحة مرضى حساسية الصدر خاصة والصحة عامة. ولم يفت العلماء الحديث عن اللقاحات والأدوية الجديدة، وأيضاً علاجات الطب البديل للنزلة الوافدة. ولقد احتار العلماء في علاج فيروس النزلة الوافدة والوقاية منه، فبين الحين والآخر تخرج علينا سلالة جديدة من الفيروس الذي يستطيع أن يغير من تركيبه، وبالتالي للأجسام المضادة التي كونها الجهاز المناعي للجسم ضد سلالة العام الماضي، أن توقف زحف عدوى الفيروس الجديد، أو تمنع الإصابة به، وحتى اللقاح الذي يصنعه العلماء عاماً بعد عام، حسب السلالة المنتشرة من الفيروس في العام نفسه، فإنه لا يصلح للوقاية في العام التالي، وربما في العام نفسه إذا أصاب الإنسان عدوى بسلالة أخرى غير التي تم التطعيم بها.من هنا كانت حيرة العلماء كبيرة في عدم الوصول إلى عامل مشترك بين هذه السلالات المختلفة يمكنهم من الوقاية من فيروس النزلة الوافدة بغض النظر عن السلالة التي تصيب الإنسان، ونحن نعرف القدر الذي يمكن أن يسببه هذا الفيروس من خسارة كما حدث من قبل مع النزلة الوافدة الأسبانية ووباء هونج كونج ثم الوباء الروسي عام 1977م.. ومع أن العلماء أصبحوا لا يعيرون لأسماء تلك البلاد اهتماماً رغم انتشار الأوبئة منها في فترات متعددة، إلا أنهم يعتقدون الآن أن المنشأ الأساس لكل هذه الأوبئة هو منطقة الصين وجنوب شرق آسيا.لقد كانت بداية انتشار هذا الفيروس في هونج كونج، حيث تسبب في إصابة ثمانية عشر شخصاً وقتل منهم ستة نتيجة الإصابة بهذه السلالة الجديدة علي الإنسان من فيروس النزلة الوافدة، مما جعل السلطات المختصة في هذه البلاد تضطر إلى إعدام كل الطيور الموجودة في هونج كونج، حيث تأكد أن هذا الفيروس الجديد الذي انتشر بصورة وبائية عام 97م والذي لم يكن ليصيب الإنسان من قبل، إذ كان فقط يصيب الطيور مثل الدجاج والبط والأوز، وبالتالي فليس لدى الإنسان أي نوع من المناعة أو الأجسام المضادة لمقاومة مثل هذا الفيروس أو الوقاية منه. لكن لحسن الحظ فإن عدوى الفيروس لم تنتقل من إنسان إلى آخر، ولكنها انتقلت فقط من الطيور إلى الإنسان، ولا يعد هذا ضماناً إلى الأبد، فقد تحدث طفرة أخرى لهذه السلالة تمكنها من أن تنتقل من إنسان إلى إنسان آخر، ولو حدث هذا لانتشر الوباء في العالم كله بسرعة رهيبة نتيجة ازدحامه ووسائل النقل السهلة والسريعة من المواصلات وانتقال الإنسان من خلالها إلى القارات في اليوم نفسه.لذا فإن بعض العلماء يقدر بأن 30% من سكان الكرة الأرضية يمكن أن تصيبهم العدوى ويموتون بسببها إذا لم يكن هناك وسيلة لإيقاف زحف هذا الفيروس والوقاية منه.مرض قديم ذو أوبئة جديدةتقول كتب التاريخ إن مرض النزلة الوافدة هو أقدم مرض تنفسي على الإطلاق، فقد ذكرت مثل أعراضه القديمة ووجدت على بعض جدران المعابد المصرية القديمة، وهي تشير إلى وجود فيروس النزلة الوافدة وانتقاله على شكل وبائي منذ القرن الخامس قبل الميلاد، وذلك على الرغم من أن العلماء لم يتمكنوا من عزل فيروس الإنفلوانزا من الإنسان لأول مرة سوى عام 1993م.إن النزلة هذا الشتاء، أعراضها غريبة فهي تصيب الجسم بالحمى التي ترفع حرارته إلى 40 درجة في دقائق قليلة، وتسبب آلاماً مبرحة وإرهاقاً وغثياناً، وهي غالباً ما تبدأ بالصدر.. وتنتهي به لتترك خلفها نوبات من السعال الحاد والصداع القاتل والإحساس الدائم بتكسير في العظام.. لكن ما هي حكاية النزلة الوافدة هذا العام.. ولماذا تأتى متخفية كل شتاء في شكل جديد وأعراض جديدة؟معروف علمياً وطبياً أن الجو البارد هو سبب الإصابة بالنزلة الوافدة لأنه يجعل الأوعية الدموية تنقبض فتصبح الدورة الدموية كلها دورة انقباضية.. وهذا يعني قلة وصول كمية الدماء إلى الأطراف وبالتالي قلة المقاومة للميكروبات والفيروسات.. وفيروس النزلة الوافدة بسيط جداً، لكن التغيرات التي تحدث في التركيب الجيني للفيروس قد تجعله ربما يصل انتشاره إلى حد الوباء، حيث يكون أجساماً مضادة محيطة به ويحدث خللاً في الجهاز المناعي. وينقسم الفيروس إلى ثلاثة أنواع (أ، ب، ج) وأخطرها على الإطلاق هو فيروس النوع (أ) حيث يوجد على غلافه الخارجي نوعان من البروتين، يرجع إليهما الفضل في إحداث العدوى.أول هذين النوعين نوع يسمى (هيماجليوتنين Hemagglutinin) وهو يشبه المفتاح الذي من خلاله يقتحم الفيروس الخلية، وهو عبارة عن جزء من مادة تسمى «حامض السياليك» الذي يوجد على شكل مستقبلات على جدار الخلايا المبطنة للغشاء المخاطي للجهاز التنفسي، وهذا النوع من البروتين هو الذي يسبب العدوى من إنسان إلى آخر، وبمجرد نجاحه في الدخول إلى خلية الغشاء المخاطي، ونجاحه في التكاثر داخلها، يسلم الراية إلى زميل آخر له من البروتينات يسمى (نيورامينديز Neuramindas) لكي يكمل الرحلة إلى داخل الجسم البشري.. وهذان السلاحان اللذان يحدث من خلالهما فيروس النزلة الوافدة، العدوى، وينجح في نشرها عبارة عن مجموعة من الأحماض الأمينية التي يمكن أن تغير في ترتيبها الجيني، فتنتج سلالة مختلفة من السلالة السابقة.وقد نتعجب إذا علمنا أن بروتين (هيماجليوتنين) ويرمز له بالرمز (H) ويوجد منه 15 نوعاً يمكن أن يعطي 15 سلالة مختلفة، وبروتين «نيورامينديز» ويرمز له بالرمز (N) ويوجد منه 9 أنواع مختلفة، ولذلك يرمز للسلالة بالرمز N1N1 أو N1N2 أو H5N1 وهكذا، وإذا استخدمنا التبادل والتوافق بين هذين النوعين من البروتين المكون للسلاح الرئيس لفيروس النزلة الوافدة، لعلمنا أن الفيروس يستطيع التشكيل والتغيير إلى سلالات كثيرة مختلفة، مما يساعد على تكرار التقاط العدوى وإمكانية نشرها على شكل وباء.وفيروس النزلة الوافدة من النوع (1) عندما يهاجم الخلية البشرية فإنه يترك الغلاف البروتيني ويدخل إلى داخل الخلية.. الحامض النووي رنا (RNA) فقط حيث يستخدم بروتينات الخلية البشرية الموجودة في السيتوبلازم من أجل تصنيع نسخ جديدة من فيروس النزلة الوافدة، وينتهي الأمر بأن تخرج هذه الفيروسات الجديدة من الخلية لكي تهاجم الخلايا الأخرى المبطنة للجهاز التنفسي، وقد يحدث أن يصاب أحد الحيوانات بأكثر من سلالة من فيروس النزلة الوافدة في الوقت نفسه، مما يؤدي إلى إعادة ترتيب الجينات المكونة لكلتا السلالتين داخل الخلية، ومما ينتج عنه سلالة جديدة تختلف في تركيبها عن السلالتين اللتين تمت العدوى بهما.وكثيراً ما يحدث هذا في الحيوانات والطيور المهاجرة التي تعتبر عاملاً وسيطاً لحدوث الكثير من الطفرات في فيروس النزلة الوافدة، مما يجعلها تنتشر كوباء عالمي، حيث إن الجهاز المناعي للإنسان ليس به الأجسام المضادة الملائمة للتكوين والسلالة الجديدة من الفيروس.النزلة الوافدة وأساليبها المخادعةإن أساليب هذا الفيروس العجيب في المراوغة والتخفي والتمويه يجعلنا نقف أمام علامات استفهام كبيرة وغامضة وخطيرة، فرغم أن العلم يؤكد أنه لا ينتشر إلا في فصل الشتاء، فإننا نراها أحياناً في عز فصل الصيف والحرارة المرتفعة.. وحين يقال أنها تأتي مع تغير الفصول المناخية، فإننا نراها كامنة خلال كل الفصول لا تفرق بين شتاء وربيع أو صيف وخريف.. وحينما يقال أنه عامل السن، فإننا نرى أنها لا تخص سناً دون أخرى.. فهي تصيب الأطفال الرضع والصغار والكبار، وكل الأجناس والأعمال؟، فهل هو الاختلاط في زحام الناس.أقول لا.. ليس كذلك..!إذاًما هي حكاية هذه النزلة الوافدة؟إن الذي يسبب النزلة الوافدة بكل أعراضها ومتاعبها الكبيرة هو فيروس صغير غاية في الصغر، أقل بكثير من الميكروب ولا يرى إلا بالمجهر بل وأنواع خاصة من المجاهر، وهو لا يتأثر بالمضادات الحيوية، وإن كان يمكن أن يتحول إلى ميكروب يرفع درجة الحرارة إلى حد الحمى.لعل هناك أسباباً بيئية وسلوكية تساعد كثيراً في انتشار ووجود هذا المرض اللعين، ربما من أهمها هو «التلوث» الذي يسببه التدخين سواء على المدخن أو على غير المدخن الذي يستنشق «قهراً» الدخان المطرود من صدور المدخنين، وفيروس هذا العام مختلف حيث يصيب المريض بالصداع الشديد، والدوار الحركي مما قد يدفع البعض إلى الاعتقاد بأن هناك مشاكل في المخ، بالإضافة إلى ذلك فإن هذا الزائر الثقيل يرتدي ثوب الحمى حيث يرفع درجة الحرارة بشكل كبير تصل إلى 40 درجة مئوية، ويسبب آلاماً مبرحة في الوجنتين أو العينين أو الجبهة.كذلك يسبب فيروس النزلة الوافدة هذا احتقاناً خلف البلعوم، وكثيراً ما يصاحبه غثيان أو رغبة في القيء المتكرر، والملاحظ من شكوى المرضى هذا العام أن النزلة الوافدة تصيب بشكل مباشر الجهاز التنفسي السفلي أي الرئتين، لذلك يشكو المريض من كحة «سعال» مؤلمة تستمر لفترة طويلة.. الطريف أن النزلة الوافدة في هذا العام تأتي جافة، أي دون رشح من الأنف أو دموع من العينين كالمعتاد.. وتقتصر أعراضها على الصدر والحرارة وآلام الجسم فقط، وهي أعراض غير متعارف عليها في المعتاد.. إنها الأساليب الخادعة للنزلة الوافدة التي لا تفرق بين كبير وصغير.. ولعل الأطفال هم أكثر الذين يتأثرون بالنزلة الوافدة هذا العام، وتكمن خطورتها عليهم بأنها تتطور إلى التهابات بكتيرية ثنائية في الأنف والحلق واللوزتين.. وإذا وصل الأمر إلى هذا الحد، فإننا ننصح باستخدام المضاد الحيوي إلى جانب مخفضات الحرارة مع المسكنات.ويزداد الأمر خطورة حين يقتحم فيروس النزلة الوافدة صدر مرضى الحساسية أو القلب، حيث تتعامل صدورهم المنهكة مع هذا الفيروس بطريقة مختلفة عن الشخص العادي، وقد يذهب بهم الفيروس إلى غرفة العناية المركزة، وربما يحدث ما هو أكثر من ذلك. ولذا أولى مؤتمر الجمعية الأوروبية لأمراض الصدر الذي عقد في مدريد اهتماماً خاصاً بفيروسات النزلة الوافدة ومضاعفاتها وأخطارها على صحة مرضى حساسية الصدر واللقاحات الخاصة بها، وحقيقة إن هذه اللقاحات لا تمنع الإصابة بالفيروس حين يقتحم الصدر، لكنها تقلل دورة الفيروس في الجسم إلى 2.5 بدلاً من 5 إلى 7 أيام، ولا شك أن مجرد تخفيف العبء عن صدر مرضى الحساسية، سواء بتقليل عدد مرات الإصابة بالنزلة الوافدة، أو دورة المرض وشدته، أمر لا يمكن التقلل من شأنه، لأن هذا الفيروس، حينما يصيب مرضى الرئة والقلب يحدث خللاً مناعياً شديداً.. لكن الأمصال الجديدة ليست لها أعراض جانبية لأنها لا تؤثر في أعضاء الجسم الأخرى، لأنه ليس لها تمثيل غذائي في الجسم.خطط استراتيجية لمواجهة أم المعاركإن فيروس النزلة الوافدة بمضاعفاته القاتلة يشكل -بعد التدخين- السبب الثاني للوفاة على مستوى العالم بالتساوي مع حوادث السيارات، لذا بدأت منظمة الصحة العالمية منذ عام 1947م، في وضع البرامج التي تستهدف المقارنة بين أنواع أو فصائل النزلة الوافدة التي يتم عزلها في كل مناطق العالم وبين ما تم عزله في المواسم والسنوا ت الأخرى، فضلاً عن كيفية البحث عن مصل يعمل ضد الأنواع الجديدة، مع تقييم الأنواع التي تسبب وباء. وشبكات منظمة الصحة العالمية تغطي 110 مراكز في 83 دولة، أشهرها أطلنطا، ولندن، وملبورن، وطوكيو، ومنها 56 مختبراً في 35 دولة متقدمة، و54 في 44 دولة نامية.كما أن هذا الفيروس أشد خطورة على مرضى القلب والحساسية والكبد وكبار السن والحوامل، وهو يسافر عبر الهواء، وينتقل بالعدوى، ويكثر انتقاله في الأماكن المغلقة، وتبلغ التكلفة المباشرة وغير المباشرة للنزلة الوافدة حوالي 10 إلى 15 بليون دولار في أمريكا وحدها، وفي بريطانيا يتغيب من 10 إلى 12% من الناس عن العمل بسبب النزلة الوافدة، كما تكبدت فرنسا عام 1998م نحو 14.3 مليون فرنك، ألمانيا 2 بليون مارك بسبب هذا الفيروس، وحين يجتاح وباؤه فإنه يصيب من 5 إلى 15% من السكان.لقد أعلن الدكتور آدوين من كلية طب جامعة نيويورك في المؤتمر أن العالم هذا العام قد يجتاحه وباء جديد من النزلة الوافدة، لذا فإنه يدعو إلى وضع الخطط لمواجهة ما قد يحدث في العالم غداً، وإن حدث ذلك ينبغي ألا تعقد الدهشة ألسنتنا في مواجهة هجوم النزلة الوافدة الشرس في معركة أم المعارك، والمراقبة الدقيقة هي أولى هذه المواجهة، فعندما يبدأ الوباء لن نستطيع محاربته ما لم نعرف نوع الفيروس، ومعظم الدول لا تبدأ في تتبع النزلة الوافدة للطيور إلا بعد أن تقتل الطيور بالفعل، باستثناء الولايات المتحدة التي وضعت برامج رقابية صارمة، خصوصاً في الولايات التي تشكل فيها صناعة الدواجن جانباً مهماً من اقتصادها، لكن هناك مناطق كثيرة في العالم، إما أن تكون هذه الإجراءات فيها غائبة، وإما غير كافية مثل أفريقيا وأمريكا الجنوبية أيضاً التي هي معقل نشاط هذه الفيروسات، فهي بحاجة إلى إجراءات رقابية عاجلة.أيضاً هناك حاجة ملحة للمزيد من الأمصال، ففي هونج كونج لا توجد لقاحات إلا لثلاثة أنواع فقط هي (H1) و(H2) و(H3) من إجمالي 15 نوعاً من اللقاحات للنزلة الوافدة.وهناك لقاح تحت التطوير للنوع (إتش 5)، كما يخطط معهد الحساسية والأمراض المعدية القومي في أمريكا لتطوير لقاح لكل فصائل النزلة الوافدة من أجل إنقاذ حياة الكثيرين، لكن هذا الأمر ما زال بعيد المنال ويحتاج إلى بعض الوقت، واللقاحات الموجودة فعلاً ينبغي تجديدها كل عام لمواجهة هذا الفيروس المتقلب والشرس، وتشير التقديرات إلى ضرورة إنتاج 120 مليون جرعة سنوياً في العالم لمواجهة الفيروس حين يكشر عن أنيابه.. فخلال انتشار وباء النزلة الوافدة الأسبانية توقفت قطاعات حيوية تماماً عن العمل؛ لأن الموظفين والعمال كانوا مرضى ولم يستطيعوا العمل، ويتوقع الخبراء أنه إذا حدث وباء بسبب النزلة الوافدة في المستقبل، فمن الممكن أن يمرض بين 40- 100 مليون في أمريكا وحدها، أو حوالي 30% من سكان الكرة الأرضية، بل ومن الممكن أن يموتوا بهذا الفيروس إذا لم تتوفر وسيلة جادة لإيقاف زحفه، ومحاولة كسب معركته الشرسة التي هي أم المعارك بحق، ومحاولة الوقاية من أخطارها.أدوية ولقاحات للوقاية من الهلاكإن كل هذه الحقائق المخيفة عن هذا المرض الذي قد يستهين به البعض، جعلت العلماء يبحثون ويجدون في سبيل التوصل إلى قطع دابر هذا الفيروس اللعين وإغلاق ملف مخيف ومحير.. وآخر ما نشر أنهم اكتشفوا «إكسيراً» للشفاء من النزلة الوافدة تماماً، يتعقب فيروساتها وتعدداتها وتطوراتها، وكأنه يتعقبها من الألف إلى الياء، أو بما يؤكد الحديث النبوي الشريف «ما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء».. ولا أحسب أن أحداً من القراء الأعزاء، سلم من التعرض للنزلة الوافدة قليلاً أو كثيراً، وإذا كانت الأمراض الخطيرة المستعصية -وقاكم الله إياها- محل بحث ودراسة الباحثين والعلماء في مواجهتها والقضاء على شرورها وعلاجها، فإن القضاء على النزلة الوافدة تماماً هو أيضاً من بين الأمنيات الإنسانية والأعياد المأمولة.. وعلى أية حال فإنه إذا لم يحدث وباء خلال العام الحالي، فإن العلماء على وشك الانتهاء من الوصول إلى طريقة جديدة لعلاج فيروس النزلة الوافدة وذلك من خلال دواءين تمت تجربتهما بالفعل خلال العام السابق، وهما في طريقهما للاعتماد من منظمة الأغذية والدواء الأمريكية FDA، بعد أن انتهت المنظمة من التأكد بصفة نهائية من فعاليتهما وسلامتهما.الدواء الأول يسمى (زانا ميفير أو ريلينزا) (Zanamivier Or Rellenza) أما الآخر فلا يزال يطلق عليه اسم كودي هو (GS-4104) وقد تمت تجربتهما بشكل واسع النطاق على سلالات مختلفة من الفيروس وتبين من خلال النتائج أن استخدام أحد هذين الدواءين قبل الإصابة بالعدوى، فإنه يقلل من انتشار العدوى ويحد من شدتها، ومن عدد أيام الإصابة بها، كما يقلل إلى حد كبير من الأعراض المرضية المصاحبة للعدوى، فهو علاج جذري للفيروس وليس مثل معظم الأدوية المستخدمة إلا التي تتعامل مع الأعراض أو المضادات الحيوية التي تمنع فقط العدوى الثانوية البكتيرية التي تنشأ نتيجة الإصابة بعدوى فيروس النزلة الوافدة، ولكنها لا تعالج الفيروس نفسه، وتعمل هذه الأدوية من خلال وقف عمل أنزيم هام في تكوين الفيروس نفسه يسمى (نيورا مينيديز) الذي يمنع انتشار العدوى داخل الجسم بعد أن يلتقط الجسم العدوى من خلال الأغشية المخاطية في الجهاز التنفسي.وعلى الرغم من وجود دواءين من قبل هما (أمانتين) وكذلك (ريمانتادين) لعلاج فيروس النزلة الوافدة، أو الوقاية منه، إلا أنهما يعملان بكيفية تختلف تماماً عن الدواءين الجديدين، وتسببان مضاعفات جانبية كثيرة، منها بعض الأعراض العصبية، والسرحان أو التيه، كما أنهما غير ذي جدوى إذا كان الفيروس من النوع (ب) وليس (أ)، ويستطيع الفيروس بسهولة أن يبدي مناعة ومقاومة ضدها بعد استعمالها لفترة قصيرة.ليس هذا فحسب، بل إن الفيروس الذي تولدت لديه مناعة ضد هذه الأدوية القديمة قد يحدث تحوراً في تركيبه الجيني يؤدي إلى تحوله إلى سلالة جديدة تنقل العدوى إلى الآخرين بشكل أكثر شراسة، حيث لا توجد لديهم مناعة ضده، ولا تؤثر فيهم مثل هذه الأدوية.. ويكفي أن نعلم أن دولة مثل الولايات المتحدة تخسرسنوياً ما يعادل 50 مليار دولار، حسب تقارير مركز السيطرة على الأمراض (CDC) بسبب فيروس النزلة الوافدة، وذلك ما بين أيام غياب عن العمل مدفوعة الأجر، ونقص في الإنتاج، وتكاليف زيارة الأطباء، وتكاليف العلاج، ومضاعفات قد تؤدي إلى دخول المشفى، ومضادات وتطعيمات وغير ذلك مما تسببه هذه النزلة، ولذلك فإن هناك اتجاهاً عاماً في الولايات المتحدة للوقاية من النزلة الوافدة من خلال التطعيم بإعطائه للفئات الأكثر تعرضاً لخطر الإصابة بها، مثل الأطفال، وبخاصة المصابين بحساسية الصدر، والشيوخ، ومرضى القلب والمقبلون على عمليات جراحية كبرى وغيرهم.وذكرت شركة أدوية أمريكية أنها نجحت في تطوير علاج يؤخذ عن طريق الاستنشاق بالأنف ويختصر الأعراض المؤلمة للإصابة بالنزلة إلى يوم واحد بدلاً من أسبوع. وقالت الشركة إن نتائج التجارب على الدواء الذي أطلقت عليه اسم «زيكام» أظهرت نجاحاً كبيراً في علاج المصابين بالبرد، والنزلة الوافدة واختفت لديهم الأعراض التي أهمها الرشح والعطس والحرارة بارتفاعاتها، وعدم الاتزان أو الدوار، بعد استعماله، كما ذكرت دراسة أمريكية في المجال نفسه أن عنصر «الزنك» يمكن أن يساعد في التخلص من أعراض النزلة الوافدة في فترة وجيزة.وفي الطبيعة النجاة من الفجيعةوإذا كانت هذه الدراسة تؤكد أن الزنك له علاقة وثيقة بعلاج النزلة الوافدة، فكلنا يعلم ولا شك أن هذا العنصر متوافر في الكثير من الأغذية الطبيعية والعناصر النباتية التي تذخر بها الأرض مع الكثير من النباتات والأعشاب التي تصلح لعلاج العديد من الأمراض، ومن قديم الزمان اتجه الأطباء إلى التداوي بالأعشاب فقسموا النباتات إلى فئات مختلفة من حيث قدرتها على العلاج، واستخرجوا من خلاصة الأعشاب الطبية علاجات لعدد كبير من الأمراض حتى المستوطنة منها، ومن هؤلاء داود الأنطاكي وله مؤلفات كثيرة في هذا المجال، أطلق عليها «تذكرة داود» دون فيها آلاف الوصفات والعلاجات التي وصل إليها بعد كثير من الأبحاث والتجارب، وكذلك ابن سينا الذي كانت وصفاته التي بنيت على التجارب العلمية، من الدعائم التي قام عليها طب الأعشاب، وأيضاً أبو بكر الرازي الذي قام بتبويب التجارب التي قام بها، وذكر طريقة حفظ الدواء والأجزاء التي استخدمت من العشب في صنعه سواء كانت البذور أو الجذور أو الأوراق أو الأزهار أو الثمار، كما استطاع الرازي أن يتوصل إلى صنع الأدوية والعقاقير التي تستخدم في العمليات الجراحية مثل عقارات التطهير والتخدير التي تساعد على التئام الجروح، فذاع صيته في الشرق والغرب.وعلى الجانب الآخر للأعشاب والنباتات والثمار، فإن الله سبحانه وتعالى خلق لكل داء دواء، ولكن ليس شرطاً أن يكون هذا الدواء من الأعشاب، فقد تعددت الأدوية ، وتنوعت مصادرها إلى حد كبير، لذا يصبح الاعتقاد في قدرة الأعشاب والنباتات على شفاء جميع الأمراض أمراً غير وارد وغير صحيح، فعسل النحل فيه شفاء للناس من بعض الأدواء، وليس كلها بالطبع، وذلك لحكم كثيرة لا يعلمها إلا الله عز وجل، كذلك الحال بالنسبة للعقاقير العشبية والنباتية، وعلى هذا فإن هناك بالفعل بعض النباتات والثمار لها علاقة وثيقة في الوقاية والحماية من الإصابة بالنزلة الوافدة مثل تلك التي تحتوي على الزنك، أو التي تحتوي على فيتامين ج الذي يعد من أقوى العلاجات لهذا الفيروس، والذي يوجد في الموالح كالبرتقال وغيره، وهو ما ننصح بتناوله بصفة يومية في حدود برتقالة واحدة يومياً، وهي تكفي لمواجهة شبح الإصابة بالنزلة الوافدة، كما أن البرتقال يحتوي على 23 عنصراً أساسياً من العناصر الغذائية الطبيعية التي تساعد على تقوية مناعة الجسم الطبيعية، وأهمها السكر والحديد والفسفور وفيتامين (ب1) و(ب2) ونسبة كبيرة جداً من فيتامين ج، بالإضافة إلى البروتينات وحامض الليمونيك والكالسيوم وغيرها.كما للبرتقال فوائد كثيرة بالإضافة إلى مواجهة الإصابة بأمراض الشتاء، وأهمها تأثيره على الجهاز الهضمي فإن برتقالة واحدة يومياً تكفي بعد وجبة دسمة أن تساعد على الهضم بشكل إيجابي ومريح، حيث إن الحامض الموجود في البرتقال ينشط عملية الهضم كما يساعد على فتح الشهية إذا تناوله الفرد قبل الطعام، وهي أمور هامة لمريض النزلة الوافدة الذي يفقد شهيته أثناء المرض في الوقت الذي نحتاج فيه إليها لتقوية مناعته، ولأن البرتقال غني بفيتامين ج فهو يساعد على تثبيت وتقوية العظام عن طريق تركيز وتثبيت عنصر الكالسيوم فيها، مما يحول دون الإحساس المؤلم بتكسير العظام أثناء الإصابة بالنزلة الوافدة، كما يحول دون الإصابة بمرض الإسقربوط ومرض «بارلو» عند الأطفال، ويعيد اللثة المنكمشة إلى موقعها وأيضاً يساعد على عدم تسوس الأسنان.. والبرتقال كله فوائد صحية خصوصاً في مواسم الشتاء كما ذكرنا، ولكن على بعض المرضى الاحتراس منه إذا كان مصاباً بالتهاب المعدة، أو الاثنى عشر، فإن تناول البرتقال يعتبر هنا ضرراً بالغاً لزيادة المواد الحامضية به، لذا ننصح المرضى بالنزلة الوافدة ولديهم مشاكل معوية أو معدية، أن يأخذوا ما يحتاجون إليه من فيتامين «ج» من عصير الطماطم والخس والقرنبيط الذي يفوق ما يحتويه من فيتامين «ج» ثلاثة أضعاف ما هو موجود في البرتقال.هناك أيضاً نبات الشاي المتوافر في كل بيت لدينا، فقد أثبتت الدراسات والأبحاث الأخيرة أن له آثاراً مضادة للنزلة الوافدة، فهو يقوم بحماية الجسم من الإصابة بالنزلة الوافدة. ففي اليابان أكدت الدراسات كما في الولايات المتحدة الأمريكية أن الشاي الصحي به مواد مضادة للأكسدة تحتوي على فيتامين (ج) وفيتامين (هـ) بكميات كبيرة، مما يمنع حدوث الإصابة بفيروسات الشتاء، وقد قدمت إحدى مقاطعات اليابان الشاي الأخضر طوال الشتاء الماضي لكل تلاميذ المدارس الابتدائية بها، واستخدمه التلاميذ في صورة غرغرة عدة مرات يومياً، وأسفرت النتائج عن عدم إصابة أحد من التلاميذ بالنزلة الوافدة طوال أشهر الشتاء، مما أكد أن الشاي يقي من فيروساتها، ويمنح الجسم مقاومة كبيرة لفيروس النزلة الوافدة. أما في أمريكا فإنهم يفكرون في إنتاج حلوى وشيكولاته وآيس كريم من الشاي الأخضر لمقاومة هذا الفيروس اللعين. ولإعداد كوب أو فنجان من الشاي الصحي، يجب عدم غليان الشاي على النار، بل يجب وضع الشاي في الكوب جافاً، ثم يصب عليه الماء المغلي، وهنا يصبح مشروب الشاي صحياً ومفيداً وبلا أضرار، فهذه الطريقة يطلق عليها اسم «شاي الملوك»، حيث إنه كان قديماً غالي الثمن ولا يشربه إلا الملوك، ويؤكد ذلك تاريخياً أن علب الشاي غالية الثمن نجد مرسوماً عليها الفنجان وبداخله طريقة إعداد الشاي بهذه الطريقة أي الفنجان وبداخله الشاي والماء يصب فوقه.. وهي الطريقة الصحيحة فعلاً لإعداد كوب من الشاي صحي ومفيد.يبقى أن ننصح بضرورة تناول الأدوية المعتادة عند الإصابة بالنزلة الوافدة لأنه لا يوجد غيرها الآن، وهي مهبطات الحرارة ومخففات الألم وتسكين الصداع، وننصح بعدم استعمال المضادات الحيوية إلا إذا حدث التهاب صديدي.. كما ننصح أيضاً في حالة الغثيان والرغبة في القيء بتناول أدوية مانعة للقيء، والراحة التامة مع تناول الأطعمة سهلة الهضم والامتصاص حتى يستفيد الجسم منها.. مع عدم التعرض لدرجة الحرارة المنخفضة، وتجنب مخالطة المرضى والأماكن المزدحمة، والامتناع عن عادة التقبيل سواء بين الرجال للرجال أو النساء بعضهن لبعض، وعدم التغيير السريع بين الملابس الثقيلة ثم الخفيفة، أما النصيحة الأهم فهي عدم الجلوس لفترة طويلة أمام المدفأة ثم الخروج فجأة إلى الهواء الطلق البارد.. لأن هذا التغيير المفاجئ ضار جداً بالجهاز التنفسي خصوصاً في حالة الإصابة بالنزلة الوافدة، كما يجب منع الأطفال المصابين بها من الذهاب إلى المدارس، وذلك تجنباً لمزيد من الإصابة بالعدوى عن طريق انتقالها للأصحاء، مع الإكثار من إعطائهم فيتامين «ج» وتناول المشروبات الساخنة أو الدافئة وأيضاً العصائر الطبيعية من الفواكه.