نتائجه كارثية ومدمرة على الأطفال.. غياب الوالدين عن المنزل

الكتاب: وحيدًا في المنزل: غربة الأطفال في المنازل الأمريكية
المؤلف: ماري إبرستاد
الناشر: مكتبة جرير
عرض: خلود الدوسري :



كما تذكر المؤلف في تصديرها فإن هذا الكتاب يجيء تحديًا لذلك الخطر الاجتماعي، ويحاول جاهدًا أن يلقي الضوء على أحد التغيرات الأساسية في زمننا: التجربة المتواصلة والضخمة التي لا سابق لها في التاريخ في الانفصال بين الأسرة والطفل والتي تمر بها الولايات المتحدة الأمريكية. وقد جاء كتابها في تسعة فصول، حاولت المؤلفة من خلالها معالجة بعض الخلل لمنح الراشدين الذين لديهم خيارات بعض الأدلة والحجج حول خطر غيابهم عن الأطفال.
فحول الطريقة التي جرب بها التغير الجذري في الرعاية من قبل الأطفال والفتيان الصغار أكدت المؤلفة أن الرعاية النهارية تجعل الأطفال أكثر عدائية كما أن مراكز الرعاية تعد مصنعًا للجراثيم ونقل الأمراض المعدية بين الأطفال مثل: أمراض الكبد والتهاب الأذن الوسطى.. وغيرها، مرجعة ذلك لثلاثة أسباب:
1- أن الأطفال الذين في الرعاية لا يرضعون حليب الأم ولهذا فإن الفوائد المناعية للحليب البشري لا تقدم لهم، مما يعرضهم لخطر الإصابة بالأمراض في أي مكان.
2- أن ارتداء (الحفاض) والاتصال المستمر من اليد إلى الفم يجعلهم حاملين للجراثيم بما يفوق المقارنة وخاصة الجراثيم التي تنقل عبر الرضاب والبراز.
3- أن العدد الكبير للأطفال الذين يتم اللقاء بهم كل يوم في مثل هذه المؤسسات هو أعلى بكثير من الأطفال حتى في الأسر الضخمة مما يسرع وبشكل درامي احتمال العدوى.
لقد أوضحت المؤلفة العلاقة بين زيادة نسب الانتحار بين الأطفال والمراهقين في أمريكا وغياب الوالدين من خلال عرضها للعديد من الإحصاءات والدراسات.
وتحدثت عن أثر غياب الأبوين عن الطفل مما يدفعه للعديد من المشكلات والسلوكيات الضارة والوحشية وأوردت دليلًا لتصديق هذه النتيجة الطبيعية متمثلة في زيادة العنف في المدارس الابتدائية: تظاهر حوالي 90 مدرسًا مؤخرًا ضد أذى الطلاب الخارج عن السيطرة صائحين: «افصلوا الطلاب العنيفين» فالأطفال الذين يطعنون بعضهم بعضًا ويستخدمون المدرسين كدروع في المشاجرات، والذين يخبطون على الباب لإزعاج الصفوف.. خلقوا مناخًا من الإرهاب.
وحول انتشار السمنة بين أطفال الولايات المتحدة الأمريكية تطرقت (ماري إبرستاد) إلى عدد من التقارير المتخصصة التي أوضحت أن ما سيعرفه أي شخص يذهب «للمول» مؤخرًا أن أطفال أمريكا بدناء وهم يزدادون سمنة مع الوقت، شاهدوا انفجار الأحجام الضخمة في ملابس الأطفال، شاهدوا شعبية أشكال «الهيب هوب» بين مراهقي جميع السلالات إنها كخيمة جسدية أكثر قربًا من الثوب التقليدي.
وأرجعت هذه الظاهرة إلى أن الطفل الغربي غير قادر على الاستمتاع بأنواع الراحة التقليدية في أي شيء.. وربما استخدم الطعام كي يحاول التعويض عن أمور يفتقدها، كما أن عدم تناول الأطفال لحليب الأم وجلوسهم لأوقات طويلة أمام التلفاز وعدم خروجهم للعب أسباب كفيلة بانتشار السمنة بينهم.
وأيدت وجود علاقة بين تفشي ظاهرة الأطفال الذين يعانون مشكلات واضطرابات عصبية ونفسية وغياب الوالدين مبرهنة على ذلك بما أفاد به قسم الطب النفسي لمستشفى «ماساتشوسيتس العام» أن الخلل الوظيفي النفسي والاجتماعي للطفولة الذي يعد مرضًا جديدًا منذ 25 سنة أقر به على أنه الحالة المزمنة الأكثر شيوعًا بين الأطفال المراهقين.
فتفشي ظاهرة الأطفال الذين يعانون اضطرابات مختلفة مثل العجز عن الانتباه والاضطراب الوسواسي والقهري، والاضطراب السلوكي، والاكتئاب الهوسي يعود بسبب وآخر لغياب الأبوين، فالبيئة المنزلية الفوضوية التي يغيب عنها الوالدان جسديًا أو عاطفيًا تسبب المرض الذهني، والصعوبات السلوكية أو الاقتصادية.
وتطرقت «إبرستاد» بالشرح للعلاقة بين الفصل المتزايد والاتصال المتلاشي بين الوالدين والأطفال وانتشار تناول العقاقير العجائبية من قبل الأطفال، فالإحصاءات حول الأطفال تفيد انتشار هذا النوع من العقاقير بينهم ورواجه بصورة كبيرة وربما صار الأطفال والمراهقون يعالجون بنحو متزايد بعقاقير معززة للسلوك ليس لمساعدتهم على التنافس فحسب، وإنما كذلك لإراحتهم من التوترات التي تسببها أيامهم التي يقضونها في مؤسسات الرعاية، خارج المنزل، للراشدين الذين حولهم والمدرسين وأولياء الأمور وسلطات أخرى.
وربطت بين انجذاب الأطفال والمراهقين إلى الموسيقى وما فيها من صخب رغم أنها عنيفة ومقرفة، وهابطة وبذيئة، وبين واقعهم الذي يعيشونه ويجدون بينها وبين تجاربهم صلة فهي تتحدث غالبًا عن «التشرد، المنزل المحطم، فقدان الوالدين، الجنس، المخدرات».
وتختتم هذا الفصل بـ: «يعبر عدد من الأطفال المتأذين عاطفيًا والذين يعانقهم ويحبهم الملايين من المراهقين الذين مثلهم عن غضبهم بكل أداة تجارية متاحة حول الأذى المضاعف لاختفاء راشدين محبين.
وقد عرضت المؤلفة لدراسة على شريحة من الصبيان بينت أن 43٪ يمارسون الجنس في منازلهم لخلوها من الأهل، كما عرضت لدراسة نشرت في كانون الأول 2002م على عينة من أكثر من ألف صبي من ست مدارس عاملة مختلفة وكان المجيبون الذين قاموا باتصال جنسي قال 91٪ إن المرة الأخيرة كانت في خلفية منزلية، 37٪ في منزل والديهم، 12٪ في منزل صديق، وأكدت أن المنازل الفارغة لا تدعو إلى مزيد من الجنس فحسب، ولكن كلما طال فراغها ازدادت ممارسة الجنس.
وتستشهد بكلام الطبيب النفسي البريطاني ثيودور «إن حضور الأب البيولوجي في المنزل بالفعل يعد عاملًا حاميًا ضد الاستغلال الجنسي للأطفال».
وأوضحت المؤلفة أن ما يواجهه الأبناء في المدارس الداخلية الخصوصية من استغلال رغم أن آباءهم زجوا بهم فيها بحثًا عن الحب، وإيجاد آخرين يقومون بالأعمال الجوهرية تجاه الأبناء عجزوا عن توفيرها وأوردت ما رواه موظف سابق في هذه المدارس: «يأخذون الأطفال إلى جسر فيرمليون ليلًا، يعصبون أعينهم، ويدفعونهم في النهر، يذهبون إلى الغابات، ويعودون متأذين.. يزعمون أن هذا يقوي الذهن. أعتقد أن هذا يحطم الأطفال ويسحق إرادتهم، ويؤذيهم عقليًا وعاطفيًا.
وخلصت إلى أن ما يعانيه أطفال اليوم من مشكلات متعددة في الرعاية النهارية، والانتحار والاضطرابات السلوكية والسمنة وإدمان العقاقير والميل للموسيقى الصاخبة والجنس وأمراضه الخطيرة وما تلاقيه هذه الفئة من عنت في المدارس الداخلية عائد لغياب الأبوين فتؤكِّد: «أن والدًا أو راشدًا آخر في المنزل يستطيع أن يساعد الأطفال في المدى القصير الحساس لسببين: يحقق حضوره كسبًا عاطفيًا يوميًا، وله تأثير مهم على دوافع بعض الأطفال المراهقين»).
واختتمت كتابها بضرورة تغيير عائقنا الأخلاقي الحالي الوضيع بخصوص التربية إلى معيار أكثر إنسانية مقرين أن الأفراد والمجتمع سيكونون أفضل لو أمضى المزيد من الآباء والأمهات الوقت مع الأطفال.