الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، سن من الشرائع والأحكام ما فيه مصلحة العباد في دينهم ودنياهم، وأشهد أن لا إله إلا الله، يعلم ما يصلح الخلق في حاضرهم ومستقبل أيامهم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ما فتئ يحذر أمته من الخنا والفجور حتى وافاه اليقين، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر النبيين.
إخوة الإسلام: وإذا كان ما مضى جزء من شناعة وعقوبة الزنا في الدنيا فأمر الآخرة أشد وأبقى.
ولو سلم الزناة من فضيحة الدنيا، فليتذكروا عظيم الفضيحة على رؤوس الأشهاد، هناك تبلى السرائر ويكشف المخبوء، وما لإنسان حينهـا من قـوة ولا ناصر، بـل إن أقرب الأشياء إليه تقام شهودا عليه: اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون [يس:65].
وهل تغيب عن العاقل شهادة الجلود؟ وهل دون الله ستر يغيب عنه شيء وهو علام الغيوب وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذى أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين [فصلت:21-23].
يا أمة الإسلام: ولا يقف الأمر عند حد الفضيحة على الملأ مع شناعته، بل يتجاوز إلى العذاب وما أبشعه؟
جاء في صحيح البخاري و غيره عن سمرة بن جندب رضي الله عنه – في الحديث الطويل – في خبر منام النبي صلى الله على و سلم ((أن جبريل و ميكائيل جاءاه قال: فانطلقا فأتينا علي مثل التنور، أعلاه ضيق، وأسفله واسع، فيه لغط وأصوات، قال: فاطلعنا فإذا فيه رجال ونساء عراة، فإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا: أتاهم ذلك اللهب ضوضوا ـ أي صاحوا من شدة الحر ـ فقلت: من هؤلاء فقال: هؤلاء الزناة و الزواني، فهذا عذابهم إلى يوم القيامة))(1).
وروى الإمـام أبو يعلـى وابن حبان في صحيحه، عن أنس رضى الله عنه: ((من مات مدمن الخمر سقـاه الله جل وعلا من نهر الغوطة، قيل وما نهر الغوطة؟ قال: نهر يجري من فروج المومسات ـ يعنى البغايا ـ يؤذي أهل النار ريح فروجهم)).
فأهل النار يعذبون بنتن ريح الزناة(2)؟
أيها المسلم و المسلمة: وفي يوم عظيم أنتم فيه أشد حاجة إلى الظل تستظلون به من حر الشمس حين تدنو من الخليقة، والعرق يلجمهم على قدر أعمالهم ـ هل علمتم أن من أسباب ظل الله للعبد يوم لا ظل إلا ظله ـ البعد عن مقارفة الزنا، وتصور عظمة الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله .. ((رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله)).
أيها المسلمون: إن عذاب الله شديد، وعقابه أليم. وهو يمهل و لا يهمل، فلا تؤخذوا بالاستدراج، ولا ينتهي تفكيركم عند حدود الحياة الدنيا، فإن يوما عند ربكم كألف سنة مما تعدون .
ولو عدنا مرة أخرى للدنيا لوجدنا من الزواجر و الروادع غير ما مضى ما يكفي للنهي عن هذه الفاحشة النكراء .
فالأمراض المدمرة يجلبها الزنا وقد جاء في الحديث، ((أن النبي صلى الله عليه و سلم أقبل على المهاجرين يوما فقال: يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن فذكر منها: ((ولم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنـوا بهـا إلا فشا فيهم الطاعون و الأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم(1))).
وهنا نحن اليوم نشهد نبوة النبي صلى الله عليه و سلم في المجتمعات التي ينتشر فيها الزنا .
أيها المسلم و المسلمة: وكل منا محتاج إلي كشف الكربات التي تصادفه في الدنيا و كشف كربات القيامة من باب أولى، وقد ورد أن البعد عن الزنا سبب لتفريج الكربات، كما في قصة الذين انطبق عليهم الغار، فاستصرخ كل منهم ربه بعمل عمله، وكان من أعمال أحدهم أنه راود يوما امراة في الحرام، فلما وقع منها موقع الرجل من امرأته قالت له: يا عبد الله اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فخاف الله وأقلع عنها، وكان هذا العمل سببا لرفع جزء من الصخرة عنهم .. وكذلك يفرج الله عن عباده العارفين به حال الضراء إذا مسهم الضر و أصابهم البلاء.
أيها المسلمون: هذه مقدمات وروادع لفاحشة الزنا، وبيان لبعض عقوباتها في الآخرة والأولى. اما الأسباب المؤدية للجريمة، وأما العوامل المساعدة على الخلاص منها، فتلك لأهميتها أرجئ الحديث عنها لخطبة قادمة بإذن الله.
عصمني الله وإياكم من كل مكروه، وأخذ بأيدينا الى الخير والفلاح.
هذا وصلوا على القائل: ((ما من عبد يصلي علي إلا صلت عليه الملائكة مادام يصلي علي فليقلَّ العبد من ذلك أو ليكثر(1))) .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) ابن حمد 1/27، والنظر صحيح الجامع 3/165 0
(2) ابن حمد 1/127 0
(1) صحيح الجامع 6/306 0
(1) صحيح الجامع 5 / 174