لما ترعرع الكميت ذهل كغيره من الناس بأهوال تلك المأساة التاريخية الخالدة في دنيا الأحزان. والجميع ينوح وينادي في الأندية والمجالس ما عاناه ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من فواجع الخطوب التي هزت مشاعره وعواطفه. هذه القصيدة تمثل ذوب روحه وعمق عاطفته ونبل شعوره يروي المؤرخون أنه وفد على الإمام الباقر (عليه السلام). فقال له: يا ابن رسول الله قد قلت فيكم أبياتاً من الشعر أفتأذن لي بإنشادها؟ أجابه (عليه السلام): إنها أيام البيض (22) التي يكره فيها إنشاد الشعر. هي فيكم خاصة. هات ما عندك. فانبرى يقول: أضحكــني الدهر وأبكاني والدهر ذو صرف وألوان لتسعة بالطف قد غودروا صاروا جميعاً رهن أكفان تألم الإمام (عليه السلام) كثيراً حينما سمع رثاء جده سيد الشهداء وأغرف في البكاء وبكى معه ولده الإمام الصادق (عليه السلام) كما بكت العلويات من وراء الخباء، ولما بلغ إلى قوله: وسنة لا يتجارى بهم بنو عقيل خير فرسان ثم علي الخير مولاهم ذكــرهم هيج أحزاني بكى الإمام (عليه السلام)، وذكر له ما أعد الله من الثواب الجزيل لمن يذكر أهل البيت، ويحزن لحزنهم، ولما بلغ قوله: من كان مسروراً بما مسّكم أو شــامتاً يومــاً مـــن الآن فقد ذللـــــــــتم بعد عز فمــا أدفـــــع ضيماً حين يغشاني أخذ الإمام (عليه السلام) بيد الكميت ودعا له قائلاً: (اللهم اغفر للكميت ما تقدم من ذنبه وما تأخر..). ولما بلغ قوله: متى يقوم الحق فيكم متى يقــــــــــوم مهديكم الثاني عندها التفت إليه الإمام (عليه السلام) وعرفه بأن المهدي (عليه السلام) هو الإمام المنتظر الذي يملأ الأرض عدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، سأله الكميت عن زمان خروجه فقال (عليه السلام): لقد سئل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن ذلك، فقال: إنما مثله كمثل الساعة لا تـأتيكم إلا بغتة (23). المشهور من شعره في حبه وولائه لأهل البيت هاشمياته والمشهور من هاشمياته قصيدته (الميمية) التي أنشدها عند الإمام الباقر (عليه السلام) وهي تعد من أروع الشعر العربي في تصوير انطباعات الكميت عن أهل البيت (عليهم السلام) تصويراً واقياً رائعاً. يقول في مطلعها: من لقلب متيّم مستهام غيـــر ما صبوة ولا أحلام يمدح فيها بني هاشم فيقول: إنهم معدن الجود والكرم، وأساس العدل بين الناس، تحلوا بالشجاعة وكانوا المأوى، والملجأ لأيتام الفقراء والمحرومين. وهم الذين يملكون العقول النيرة لإرشاد الناس وهدايتهم لأنهم الحكماء الماهرون في معالجة أمراض النفوس بحكمتهم ودرايتهم وعلومهم. كانوا مصدر خير وسعادة لجميع الناس وهم أكرمهم جوداً وجدوداً. لقد فاقوا جميع مراحل التاريخ بأصالة فكرهم وخصوبة رأيهم وصدق حديثهم. |