[عدل] السياسة بعد غزوة بدراستنادا إلى كتاب "سيرة رسول الله" للمؤرخ
ابن إسحاق فإن الرسول مكث في المدينة 7 ليال فقط بعد
معركة بدر حيث قام بغزو بني سليم. وحسب رأي القمني في كتابه حروب دولة الرسول، تعد هذه إشارة إلى محاولة الرسول تقطيع أوصال الإيلاف القرشي لصالح الكيان الإسلامي الحديث النشوء وتم اختيار بني سليم حسب رأي القمني كذلك كونها من القبائل الكبرى في
الجزيرة العربية. بينما تشير المصادر التاريخية مثل أن غزوة بني سليم كانت بسبب تحضيرهم لمهاجمة المدينة
[5] ولكن بنو سليم هربوا من مضاربهم لمجرد سماعهم بقدوم المسلمين وتركوا وراءهم 500 بعير مع الرعاة حسب سيرة الحلبي صفحة 480.
بعد غزوة بني سليم بشهر خرج الرسول
محمد برجاله لتأديب غطفان على حلفها مع بني سليم في الغزوة المعروفة
غزوة ذي أمر واستنادا إلى
البيهقي فإن غطفان هربت كما سبقهم بنو سليم وهناك مصادر تشير إلى أن "جمعا من ثعلبة ومحارب بذي أمر قد تجمعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف الرسول محمد"
[6]، وبات المسلمون يشكلون خطرا حقيقيا على اقتصاد
مكة عن طريق السرايا التي كانت تقطع طريق قوافل
قريش التجارية وعن طريق الإغارة على القبائل لإجبارها على قطع موالاتها لمكة. وحسب رأي
سيد القمني I"يرى المؤرخون أن السلاح الذي فاض بعد انتصار
المسلمين في
معركة بدر والمال الذي جاء من فداء الأسرى المكيين تزامنت مع آيات
قرآنية تنسخ ما سلف من آيات سابقة وكانت الآيات الجديدة تحمل روحا
سياسيا جديدا فعلى سبيل المثال قالت آيات ماقبل انتصار بدر
«إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولاخوف عليهم ولاهم يحزنون
» (
سورة البقرة) بينما نصت آيات المرحلة الجديدة
«إن الدين عند الله الإسلام
» (
سورة آل عمران) و
«ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه
» (
سورة آل عمران)"
يعتقد بعض المفسرين أن تحليل
سيد القمني مشكوك فيه لأنه و طبقاً للمفسرين فمن المعلوم في الشريعة الإسلامية أن المنسوخ هو الأحكام ولم يقل أحد بأن التقرير ينسخ. فآية {إن الذين آمنوا والذين هادوا...} تقصد من كانوا على ديانة
اليهودية إلى فترة النبي عيسى ثم النصارى إلى فترة النبي محمد. والصابئة وهم موحدون على الفطرة من غير نبي إلى أن تبلغهم دعوة نبي زمانهم [
انظر تفاسير ابن كثير و الطبري و القرطبي لآية النسخ: البقرة 106 ]
حدثت في هذه الفترة الانتقالية حادثتين مهمتين يمكن اعتبارهما من رموز بداية مؤسسة سياسية مركزية واحدة تتجاوز القبائل المتحالفة إلى الدولة الموحدة وهاتان الحادثتان هما مقتل
كعب بن الأشرف وغزوة بني قينقاع.
[عدل] غزوة بني قينقاعسبب هذه الغزوة كما يقول
ابن هشام أن امرأة من
العرب قدمت بجلب لها فباعته بسوق بن قينقاع وجلست إلى صائغ بها فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها فلما قامت انكشفت سوءتها فضحكوا بها فصاحت فوثب رجل من
المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهوديا وشدت
اليهود على المسلم فقتلوه فاصترخ أهل المسلم المسلمين على اليهود فغضب المسملون فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع
[7]وكان من حديثهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم في سوقهم ثم قال:
«يا معشر اليهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة، وأسلموا فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل، تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم.
» فقالوا:
«يا محمد إنك ترى أنا قومك، لا يغرنك أنك لقيت قوماً لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة، أما والله لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس.
»وبعدها لجأ اليهود إلى حصونهم يقاتلون فيها، ففرض الرسول (صلَّى الله عليه وسلم) عليهم الحصار، وأحكمه خمس عشرة ليلة حتى اضطروا إلى التسليم، ورضوا بما يصنعه رسول الله في رقابهم ونسائهم وذريتهم، فأمر رسول الله أن يخرجوا من المدينة . فرحلوا إلى أذرعات
بالشام ولم يبقَوا هناك طويلاً حتى هلك أكثرهم.
ويرى الشيخ
محمد الغزالي: " ما معنى أن يغضب اليهود الموحدون -كما يزعمون- من انتصار الإسلام على الشرك؟ وبم يفسر حنوهم على القتلى من عبدة الأصنام، وسعيهم الحثيث لتغليب كفة الوثنية العربية على هذا الدين الجديد؟؟ إن التفسير الوحيد لهذا الموقف أن اليهود انقطعت صلاتهم بمعنى الدين، وأن سلوكهم العام لا يرتبط بما لديهم من تراث سماوي، وأنهم لا يكترثون بما يقترب من عقيدة التوحيد أو أحكام
التوراة، لأن هذه وتلك مؤخرة أمام شهواتهم الغالبة وأثرتهم اللازبة. ومن ثَمَّ شكك القرآن الكريم في قيمة الإيمان الذي يدَّعيه القوم: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمْ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ...}. والظاهر أن طوائف اليهود التي عاشت بين العرب كانت عصابات من المرتزقة اتخذت الدين تعليقاً لمطامع اقتصادية بعيدة المدى، فلما توهمت أن هذه المطامع مهددة بالزوال ظهر الكفر المخبوء، فإذا هو كفر بالله وسائر المرسلين. ولم يعرف أولئك شرفاً في حرب الإسلام، ولم يقفهم حد أو عهد في الكيد له، فلم يكن بد من إجلائهم وتنظيف الأرض منهم."
وحسب السيد القمني: "يعتبر البعض أن مقتل
كعب بن الأشرف الشاعر اليهودي مثالا على موقف باتر لكل لون من المعارضة الداخلية لنواة الدولة الإسلامية في المدينة
1 ". يرى البعض أن هذا الرأي لسيد القمني مشكوك في واقعيته لأن العديد من المصادر التاريخية أوردت أن سبب قتل كعب بن الأشرف هو تحريضه
قريش على الانتقام من المسلمين وتشبيبه بنساء المسلمين (التشهير بشكل فاضح) دون أن تورد أن سبب القتل هو مجرد المعارضة السياسية.
[2] [3][عدل] مقتل كعب بن الأشرفكعب بن الأشرف سافر إلى
مكة من المدينة يواسي مشركيها المهزومين في بدر ، ويحرضهم على إدراك ثأرهم من محمد (صلَّى الله عليه وسلم) وصحابته، وقد سأله أبو سفيان: أناشدك الله، أديننا أحب إلى الله أم دين محمد وأصحابه؟ قال له كعب: أنتم أهدى منه سبيلاً!! فأنزل الله على رسوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنْ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا}.
وقد صاغ قصائد الغزل في بعض النساء المسلمات...فغضب المسلمون، فأهدر المسلمون دمه.
يرى
سيد القمني أن ابن الأشرف كان متعاطفا مع حزن قريش بعد هزيمتهم في معركة بدر. فقال واستنادا إلى سيرة
ابن هشام:
طحنت رحى بدر لمهلك أهله | | ولمثل بدر تستهل وتدمع |
قتلت سراة الناس حول حياضهم | | لا تبعدوا إن الملوك تصرع |
كم قد أصيب به من أبيض ماجد | | ذي بهجة يأوي إليه الضيع |
طلق اليدين إذا الكواكب أخلفت | | حمال أثقال يسود ويربع |
ويقول أقوام أسر بسخطهم | | إن ابن الأشرف ظل كعبا يجزع |
صدقوا فليت الأرض ساعة قتلوا | | ظلت تسوخ بأهلها وتصدع |
...إلى أن يقول:
نبئت أن الحارث بن هشامهم | | في الناس يبني الصالحات ويجمع |
ليزور يثرب بالجموع وإنما | | يحمى على الحسب الكريم الأروع |
[4]:
ويعتبر البعض البيتين الأخيرين في غاية الخطورة لما فيها من تحريض للحارث بن هشام وقريش على غزو المسلمين ويروي
ابن كثير في البداية والنهاية أن الرسول هتف قائلا «من لي بابن الأشرف؟» فنهض
محمد بن مسلمة يقول: أنا لك يا رسول الله.
[عدل] قبل المعركة صورة لغار جبل أحد
استنادا إلى
ابن كثير لما رجعت قوات
قريش إلى
مكة بعد هزيمة
معركة بدر مشى رجال من قريش ممن قتل آباؤهم أو أبناؤهم أو إخوتهم فكلموا
أبا سفيان الذي تمكن من إنقاذ قافلة قريش فقالوا له
«إن محمدا قد وتركم وقتل خياركم فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا ندرك منه ثأرا
». بعد سنة استطاعت
مكة أن تجمع 3000 مقاتل من
قريش والحلفاء والأحابيش و وصل الجيش إلى
جبل أحد في مكان يقال له عينين فعسكر هناك يوم الجمعة السادس من شهر شوال سنة ثلاث من الهجرة، واستنادا إلى سيرة برهان الدين الحلبي فإن عم الرسول
العباس بن عبد المطلب أرسل رسالة إلى الرسول فيها جميع تفاصيل الجيش ولا يعرف مدى صحة هذه الرواية لكونها مستندة على سيرة
ابن إسحاق الذي كتب في عهد
العباسيين الذين كان لهم خلافات مع من سبقهم من
الأمويين.
لما بلغت الأنباء
المسلمين فرح بعضهم وخاصة من لم يخرج منهم إلى معركة بدر ولم يصب مغنما واستنادا إلى سيرة ابن هشام فقد قال بعض المسلمين الذين فاتتهم بدر
«يا رسول الله اخرج بنا إلى أعدائنا لا يرون إنا جبنا عنهم و ضعفنا
» واستنادا إلى نفس المصدر فإن
الأنصار و
عبد الله بن أبي بن سلول كانوا يرغبون بالبقاء ب
المدينة والدفاع عنها وكان هذا الرأي مطابقا لرأي الرسول
محمد الذي فضل ألا يخرجوا من
المدينة بل يتحصنوا بها حيث أن الرسول وحسب بعض الروايات أخبر المسلمين عن رؤيا رأها قال:
«إني قد رأيت والله خيرًا، رأيت بقرًا تذبح، ورأيت في ذباب سيفي ثلمًا، ورأيت أني أدخلت في درع حصينة
» وتأول البقر بنفر من أصحابه يقتلون، وتأول الثلمة في سيفه برجل يصاب من أهل بيته، وتأول الدرع بالمدينة
[5].
وتحت ضغط التيار الداعي إلى الخروج إلى
قريش وفي مقدمتهم
حمزة بن عبد المطلب قام الرسول بلبس ملابس الحرب وخرج المسلمون ولكن
عبد الله بن أبي بن سلول وهو سيد
الخزرج ورئيس من أسماهم المسلمين بالمنافقين قرر أن يعود بأتباعه إلى
المدينة وكانوا واستنادا إلى سيرة الحلبي 300 مقاتل وناداهم بقوله
«ارجعوا أيها الناس عصاني و أطاع الولدان و ما ندري علام نقتل أنفسنا ها هنا أيها الناس
». أدرك المسلمون الشعب من
جبل أحد، فعسكر الجيش مستقبلاً
المدينة وجاعلاً ظهره إلى هضاب جبل أحد، واختار الرسول فصيلة من الرماة الماهرين قوامها خمسون مقاتلاً وجعل قائدهم
عبد الله بن جبير بن النعمان وأمرهم بالتمركز على جبل يقع على الضفة الجنوبية من وادي مناة واستنادا إلى
البخاري فإن الرسول قال لهم
«إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم ووطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم
».
وهناك رواية في كتاب
ابن إسحاق عن
جبير بن مطعم الذي كان له عبد حبشي يسمى "وحشيا" وكان ماهرا في قذف الرمح ووعده جبير بعتق رقبته إن قتل
حمزة بن عبد المطلب واستنادا إلى
ابن هشام فإن
هند بنت عتبة كلما مرت بوحشي أو مر بها، قالت "ويها أبا دسمة اشف واستشف" و كان وحشي يكنى بأبي دسمة