دولة الإخوان
اوراق من دفتر دعاة الدولة الدينية
بقلم: عبد الرحيم علي
بقلم: عبد الرحيم علي
الجهاز الخاص للإخوان لم يعمل منفصلا عن قادة الجماعة من أفكار الإخواني سيد قطب خرجت كل الجماعات الإسلامية المسلحة
سيد قطب وجماعة الإخوان: توثقت علاقة سيد قطب مع الإخوان المسلمين بعد عودته من الولايات المتحدة الأمريكية سنة1950, لكنه لم ينخرط تنظيميا في صفوفهم إلا منتصف سنة1953. وبعد المحاولة الإخوانية لاغتيال عبد الناصر في المنشية26 أكتوبر1954, اعتقل سيد قطب وقدم إلي المحاكمة,وصدر ضده حكم بالسجن لمدة خمسة عشر عاما. في مصحة سجن طرة بدأت رحلة جديدة لتطوير الأفكار, وهي الرحلة التي انتهت باتهام جديد قاده إلي الإعدام.هل تعبر هذه الأفكار الجديدة عن سيد قطب وحده, أم أنها تحظي بتقدير وموافقة الإخوان المسلمين بشكل عام؟! يتبرأ الإخوان من الأفكار التكفيرية المتطرفة, وللمرشد الثاني حسن الهضيبي كتاب كامل عنوانه: دعاة لاقضاة, يتضمن خطابا مضادا يرفض مبدأ تكفير المسلم ودون الدخول في تفاصيل حول المؤلف الحقيقي للكتاب: هل هو المستشار الهضيبي أم مجموعة من علماء الأزهر وبعض المعتدلين المتعاونين من الإخوان, فإن الحقيقة المؤكدة, من واقع الكتاب المنشور, أن اسم سيد قطب لم يرد فيه مرة واحدة, وتركز الهجوم علي الأفكار التكفيرية ونقدها عند المفكر الإسلامي أبي الأعلي المودودي!.
يمكن القول إن الكتاب هو أشهر وأهم المحاولات الإخوانية للتبرؤ من تداعيات ونتائج الأفكار التي دعا إليها سيد قطب, دون تبرؤ مماثل من المفكر الإخواني الذي أنتج هذه الأفكار! هل يمكن التمييز بين المودودي وسيد قطب, وهل من تناقض حقيقي بينهما؟!.
الإجابة يقدمها الدكتور محمد حافظ دياب في كتابه المهم سيد قطب..الخطاب والأيديولوجيا حيث يقول:إن قاريء الخطاب القطبي لايملك إلا أن يسجل حضور اغلب مفردات النسق المفهومي كما أورده المودودي,بنوع من إعادة الإنتاج الذي يحكمه الموقف الفكري الراهن لهذا الخطاب, لتقوم بدور جديد في البنية الأيديولوجية التي اتخذها د. محمد حافظ دياب:سيد قطب..الخطاب والأيديولوجية ص84).
ويضيف الدكتور دياب:ويلفت النظر إلي أن المودودي ـ في حديثه عن الحاكمية والتكفير والجاهلية ـ قد وقف بارتداد المجتمع دون الأمة, أما قطب فيري أن الأمة قد كفرت بالإسلام, فالأمة الإسلامية قد انقطع وجودها منذ انقطاع الحكم بشريعة الله من فوق ظهر الأرض جميعا, لأنها قد أخذت كل مقومات حياتها من الطواغيت, وهو مايحمل شبهة أن الخطاب القطبي يذكي ـ وربما من حيث لايدري ـنفس الأوهام الأيديولوجية التي تروجها الصهيونية عن أمة يهودية تقوم علي حجج دينية!
(المرجع السابق: ص149).
وإلي نتيجة مماثلة, يصل الباحث شريف يونس في كتابه سيد قطب والأصولية الإسلامية فهو يقول: وفكر المودودي علي استقامته, وأضاف إليه ونفخ فيه من نزعته الرومانتيكية النخبوية, ومن روحه الاستشهادية المعذبة التي عكست غربته الشاملة الأصلية( شريف يونس: مرجع سابق,ص227 يقف سيد قطب علي يمين المودودي ويزايد عليه, فأي منطق يدفع حسن الهضيبي أو من كتبوا له أن يتصدي لأفكار المودودي دون قطب؟!
المعلن عند قادة الإخوان هو رفض الحاكمية وتكفير الأفراد والمجتمعات, لكن هذا المعلن لاينفي أن كتب سيد قطب تمثل ركيزة مهمة في ثقافة شباب الإخوان, وان مجلة الدعوة الإخوانية عند إعادة إصدارها في النصف الثاني من سبعينيات القرن العشرين, قد بالغت في الاحتفاء بسيد قطب, ولم توجه كلمة نقد واحدة إلي أفكاره التفكيرية!
الشهيد الجليل
لايملك الإخوان المسلمون إنكار حقيقة أن سيد قطب من كبار مفكريهم ومنظريهم, ويتجلي ذلك واضحا في الصفات الجليلة التي يبالغون كثيرا في إضفائها عليه, وتجعل منه رمزا وعلما معتمدا في تاريخ الجماعة وعلي سبيل المثال فهو الشهيد الحي والمجاهد الكبير والأستاذ الإمام والإمام الأمين والوارث المحمدي. الصفات السابقة منسوبة إلي قيادات الجماعة في كتاباتهم المختلفة عنه( حلمي النمنم: سيد قطب وثورة يوليو) لكنهم يحاولون الآن تبرير أفكاره التكفيرية بالقول بفكرة المجاز وأدبية الأسلوب عند سيد قطب.
ويرد القرضاوي علي هؤلاء بالقول: ليس التعبير الأدبي سببا في غموض الكاتب, وضبابية مايكتب, والتباسه علي قارئه فالأمر عندي بالعكس تماما فالكاتب الأديب الأصيل إذا كتب في أي علم أضفي عليه من إشراق يراعه ومن نصاعة بيانه مايجليه ويقربه الي القاريء, ويزيح عنه أي لون من الغموض, وهو مايسمونه الأسلوب العلمي المتأدب وقد رأينا هذا في كتابات العلماء الأدباء مثل: محمد عبده, ود. محمد عبد الله دراز, وحسن البنا, ومحمد الغزالي, وعلي الطنطاوي ومصطفي السباعي, والبهي الخولي وغيرهم ويضيف القرضاوي ولم يكن الرجل من دعاة الرمزية أو السريالية أو غيرها من المذاهب الأدبية التي تعمد الي الغموض وتغلف مقولاتها وأفكارها بأغلفة تحجب معانيها عن جماهير القراء, ولم يكن سيد كذلك من دعاة الباطنية الذين يقولون القول, ولايريدون به مايفهمه سائر الناس بل كان رجلا صريحا بينا لايحب الظلام ولا الضبابية فيما يقول ولا فيما يفعل, لذلك رأيناه يلح علي فكرته, ويكررها ويؤكدها بأساليبه البيانية الرائقة والرائعة حتي تتضح كالشمس في رابعة النهار. عبد الرحيم علي: كشف البهتان..الإخوان المسلمون وقائع العنف وفتاوي التكفير ـ ص13) ويورد القرضاوي تأكيدا لكلامه شهادة أحد رفقاء سيد قطب في المعتقل فيقول: حدثني الأخ الدكتور محمد المهدي البدري أن أحد الإخوة المقربين من سيد قطب ـ كان معتقلا معه في محنة1965 ـ أخبره أن الأستاذ سيد قطب, عليه رحمة الله, قال له: إن الذي يمثل فكري هو كتبي الأخيرة, خاصة المعالم والأجزاء الأخيرة من الظلال, والطبعة الثانية من الأجزاء الأولي, وخصائص التصور الإسلامي ومقوماته, والإسلام ومشكلات الحضارة, ونحوها مما صدر له وهو في السجن, أما كتبه القديمة فهو لا يتبناها, فهي تمثل تاريخا لا أكثر,فقال له هذا الأخ من تلاميذه: إذن أنت كالشافعي لك مذهبان: قديم وجديد, والذي تتمسك به هو الجديد لا القديم من مذهبك قال سيد رحمه الله: نعم غيرت كما غير الشافعي رضي الله عنه, ولكن الشافعي غير في الفروع وأنا غيرت في الأصول.
ويعلق القرضاوي قائلا: الرجل يعرف مدي التغيير الذي حدث في فكره ـ فهو تغيير أصولي أو استراتيجي, كما يقولون اليوم( المصدر السابق ص14)
وقريب من هذا الكلام قاله القيادي الإخواني وعضو مكتب الإرشاد السابق الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح ردا علي سؤال للروائي جمال الغيطاني أثناء قيام أبو الفتوح بزيارته الشهيرة في مايو2006 للأديب العالمي نجيب محفوظ.
كان السؤال حول رؤية سيد قطب للأدب والفن في كتابه معالم في الطريق, وجاء رد أبو الفتوح حاسما: هناك اثنان( سيد قطب) الأول قبل(1954) والثاني بعد(1954).. الأول لايختلف أحد عليه وعلي تقديره, فما كتبه في الظلال قبل54 مختلف عما كتبه في الظلال بعد54.. فعندما دخل السجن وتعرض للتعذيب استكمل الكتاب وأعاد كتابة الــ(14) جزءا مرة أخري ولكن في ظل حالة خصومة مع الدنيا كلها, وأنا كطبيب لايمكن أن أواخذ إنسانا في حالة مرضية علي تصرفاته, وأنهي أبو الفتوح حديثه بالقول إن ماكتبه سيد قطب في المعالم والظلال يختلف عما كتبه قبل عام1954, كما يختلف عما كتبه الأستاذ البنا, ويتحمله سيد قطب وحده ولا علاقة له بالجماعة.
فهل نحتاج كلاما بعد كل تلك الشهادات, للتأكيد علي أن قطب لم يكن يكتب بلغة مجازية كما راح البعض يحاول إقناعنا وإنما كان واضحا وصريحا, ويعرف مايقول, ويقول مايقصد, ويلح عليه ويكرره حتي يتضح كالشمس في وضح النهار.
الإخوان وكتابات قطب
في كتاب الدكتور رفعت السعيد: الإرهاب المتأسلم رصد تفصيلي دقيق لحقيقة آراء زعماء الإخوان في أفكار سيد قطب, ومن ذلك ماتؤكده السيدة زينب الغزالي من أن المرشد الثاني حسن الهضيبي قد قرأ كتاب معالم في الطريق وأعاد قراءته قبل طبعه, ووافق عليه وقال إن هذا الكتاب قد حصر أمله كله في سيد, وأنه الأمل المرتجي للدعوة الآن!
السؤال المنطقي الذي يفرض نفسه هنا: هل كان الهضيبي في دعاة لاقضاة يرد علي الأفكار التي يري أن صاحبها هو الأمل المرتجي؟!.
أما المرشد الثالث, عمر التلمساني, فلا يتورع عن الاستهانة بعقول القراء عندما يقول في ثقة إن سيد قطب لايكفر أحدا,
ويواصل في براءة مريبة, ليقدم تبريرا دفاعيا: أما كثرة ترداده لكلمة المجتمع الكافر والمجتمع الجاهلي, فلم يقصد بها تكفير المجتمع ولكن تشديد النكير علي الظلمة والطغاة!
( إبراهيم قعود: عمر التلمساني شاهد علي العصر,ص61)
ويضيف التلمساني: والذين يعرفون سيد قطب ودماثة خلقه وجم أدبه وتواضعه ورقة مشاعره, يعرفون أنه لايفكر أحدا إنه داعية إسلامي من عيون المسلمين فظلمه من أخذ كلامه علي غير مقاصده!
( المرجع السابق: ص62).
كتابات سيد قطب, وبخاصة معالم في الطريق الذي يتحدث عنه عمر التلمساني, مليئة بالتكفير الصريح المباشر, ولايدري أحد كيف توصل المرشد الثالث إلي النتيجة التي ينفرد بها, ولايدري أحد ـ أيضا ـ كيف تتحول مفردات مثل المجتمع الكافر والمجتمع الجاهلي إلي أداة لتشديد النكير علي الطغاة! قراء سيد قطب هم الظالمون الذين لايحسنون فهم مقاصده!, والدليل الذاتي الذي يسوقه التلمساني عن رقة مشاعر قطب ودماثته وتواضعه لايعني شيئا, ذلك أن المقربين من أسامة بن لادن يقولون عن دماثته ورقته وتواضعه أضعاف مايقوله التلمساني عن قطب, فهل يعني هذا أن أسامة وديع بريء وأننا نسيء فهم مقاصده؟!.
أما القيادي الإخواني البارز صلاح شادي فإنه يقول: لقد كان حسن البنا البذرة الصالحة للفكر الإسلامي, وكان سيد قطب الثمرة الناضجة لهذا الفكر هل يفهم من المقولة السابقة إلا أن سيد قطب هو الامتداد المنطقي لحسن البنا, وان الإخوان يتشبثون بالثمار الناضجة للمفكر التكفيري؟!( عبدالرحيم علي: الإخوان المسلمون من حسن البنا إلي مهدي عاكف, ص310).
ربما كان القيادي الإخواني صالح أبو رقيق هو الاستثناء الوحيد في الاعتراف الصريح بما لايمكن إنكاره أو تجميله: أن سيد قطب قد كفر المجتمع فعلا, ولكن فكره مقصور عليه وعلي مجموعته. حسن الهضيبي وعمر التلمساني وصلاح شادي يدافعون بصراحة ووضوح عن أفكار سيد قطب, ويتعمدون تجاهل التوقف أمام مايروج له عن الحاكمية وجاهلية المجتمع وهؤلاء أنفسهم هم من يحرصون, في مواضع أخري ومناسبات مختلفة, علي تأكيد تسامح الإخوان واعتدالهم وتمسكهم بالدعوة السليمة التي لاتلجأ إلي التكفير والعنف! يغيب عنهم جميعا أن لعبة التكفير هذه بالغة السهولة, وأن المثل الشعبي الحكيم العميق كان صادقا عندما قال كما تدين تدان!. لقد وجد سيد قطب لأسباب سياسية في المقام الأول, من يكفره وتباري كثير من علماء الأزهر في الرد عليه بالسلاح الذي يستخدمه!. في إطار الحملة المضادة ضد مؤامرة1965, قال شيخ الأزهر إن الإخوان يعيدون البلاد الي عهود التبعية والإقطاع والرأسمالية!
وفي تقرير لجنة الفتوي بالأزهر عن كتاب معالم في الطريق اتهام لسيد قطب بترديد أفكار الخوارج, والتطاول علي صاحب الرسالة!
أما المجلس الأعلي للشئون الإسلامية, فقد اتهم سيد قطب وأعوانه بالعمالة للاستعمار!( المرجع السابق:ص314).
إذا كان سيد قطب قادرا علي اتهام النظام الناصري بالكفر, فإن النظام قادر بدوره علي أن يرد الصاع صاعين!
ولكن أين الحقيقة العلمية؟
رايات الجاهلية والتكفير
لم يكن سيد قطب, علي الرغم من الهالات الدعائية التي يحيطه بها تلاميذه ودراويشه, من العلماء الراسخين المتخصصين في الفقه,وليس أدل علي ذلك من أن التشكيك في قدراته يصدر عن عالم سلفي في وزن الدكتور يوسف القرضاوي, والذي يقول مانصه: لو أتيح له دراسة الفقه الإسلامي والعيش في كتبه ومراجعه زمنا, لغير رأيه, ولكن تخصصه ولون ثقافته لم يتح له هذه الفرصة, وخاصة أن مراجع الفقه بطريقتها وأسلوبها لاتلائم ذوقه الفني الرفيع( يوسف القرضاوي: ملاحظات وتعقيبات علي آراء الشهيد سيد قطب, جريدة الشعب,11/18/.1986). قد يكون صحيحا أن سيد قطب ليس فقيها متخصصا, لكنه قدم مجموعة خطيرة من الأفكار التي ألهمت شباب الإخوان خلال مرحلة تاريخية سابقة, وأسهمت في صياغة وصناعة اتجاهات جديدة أكثر تطرفا وعنفا ولاجدال في أن كل محاولة لفهم وإدراك خطورة الأفكار القطبية, لابد أن تبدأ باستعراض وتحليل المرتكزات الجوهرية لهذه الأفكار, ومن خلال كتب سيد قطب نفسه.ونواصل.