إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، أما بعد /
عباد الله / قد نزل بنا شهر كريم فيه خير عميم لمن أراد أن يستبق الخيرات ،و لكن كثيرا من الناس عنه غافلون ألا وهو شهر شعبان ,نعم إن كثيرا من الناس يغفل عن هذا الشهر الكريم فقد أخبر النبي صلى الله عليه و سلم بذلك كما جاء ذلك عنه في سنن النسائي و عند البيهقي في شعب الإيمان من حديث أسامة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [شعبان بين رجب و شهر رمضان ، تغفل الناس عنه ،ترفع فيه أعمال العباد ،فأحب ألا يُرفع عملي إلا و أنا صائم ].
وهذا الحديث فيه أن بعض الأوقات التي فيها فضيلة ربما غفل عنها الناس و لم يتفطنوا لها لأنهم يشتغلون بالمشهور ، وفيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة وأن ذلك محبوب لله عز وجل ،كما كان طائفة من السلف يحيون ما بين العشاءين بالصلاة و يقولون :هي ساعة غفلة ،ذكر هذا ابن رجب رحمه الله بمعناه في كتابه "لطائف المعارف "،و لذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم أكثر شهر شعبان ،لأنه كما قال صلى الله عليه و سلم شهر يغفل عنه الناس و لأنه شهر ترفع فيه أعمال العباد ففي الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت :[ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان ،و ما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان ]. ففي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصوم أكثر أيام شعبان.
ومن فضائل شهر شعبان فضل عظيم امتن الله به على عباده ألا وهو أن الله تبارك وتعالى يغفر لجميع خلقه في ليلة النصف من شعبان إلا لمشرك أو مُشاحن ،
في سنن ابن ماجة من حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- عن رسول الله- صلى الله عليه و سلم- قال:[إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان ،فيغفر لجميع خلقه ،إلا لمشرك أو مشاحن ].فيا لها من منحة جسيمة ، و نعمة عظيمة امتن الله بها على عباده ،والمردود فيها جبر الله مصيبته! فإنها مصيبة عظيمة أن يُحرم العبد المغفرة , ولذا ينبغي على كل مسلم اجتناب الذنوب كلها وخاصة هذين الذنبين العظيمين اللذين ذُكرا في الحديث : الشرك بالله و الشحناء , الشرك بالله صاحبه إن مات عليه فهو خالد مخلد في النار و لن تجد له وليا نصيرا ولا شفيعا , قال تعالى:{{ إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة و مأواه النار و ما للظالمين من أنصار }}
و قال تعالى : {{إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء و من يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا }}.
كل من أشرك في عبادة من العبادات مع الله أحدا آخر سواء كان ملكا مقربا أو نبيا مرسلا أو وليا صالحا ، كل من أشرك في عبادة من العبادات : من طواف أو نذر أو استعانة أو استغاثة فيما لا يقدر عليه إلا الله وغيرها من العبادات فقد حبط عمله ،وإن مات على ذلك فهو خالد مخلد في النار ،نسأل الله العافية ؛
و أما الشحناء و هي حقد المسلم على أخيه بغضا له , لهوى في نفسه ،فهي مانع من المغفرة في أكثر أوقات الرحمة والمغفرة ، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا :[تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين و الخميس ,فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا ألا رجلا كانت بينه و بين أخيه شحناء ، فيقول انظروا هذين حتى يصطلحا ] ،و لا شك أيها الإخوة أن سلامة الصدر من أنواع الشحناء كلها من أفضل الأعمال , و أنت أيها المشاحن الحاقد على أخيك المسلم يكفيك حرمان المغفرة في أوقات مغفرة الأوزار و إلا فإن الله سبحانه وتعالى يتوعدك بقوله تعالى : [ ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ].
خاب عبد بارز المولى بأسباب المعاصي
ويحه فيما جناه لم يخف يوم القصاص
يوم فيه ترعد الأقدام من شيب النواصي
لي ذنوب في ازدياد وحياة في انتقاصِ
فمتى أعمل ما أعلم لي فيه خلاصي.
واعلم يا رعاك الله أن ما يقوم به بعض الناس من تخصيص ليلة النصف من شعبان بالقيام والدعاء ، و تخصيص نهارها بالصيام ، اعلم أن هذا كله ليس من الأمور المشروعة ، بل هو عند أهل السنة من البدع ،داخل في عموم قول النبي صلى الله عليه و سلم :[و كل بدعة ضلالة ]، أولا / لأن هذا لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم و العبادات مبناها على التوقيف , قال ابن عمر- رضي الله عنه- : [كل بدعة ضلالة و إن رآها الناس حسنة ]، ثانيا / من استحسن مثل هذه البدعة اعتمد على حديث إسناده ضعيف جدا رواه ابن ماجة في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها و صوموا نهارها ]. و هذا الحديث شديد الضعف عند أهل العلم و لا يجوز العمل به بل يعارضه الحديث الصحيح : [إذا كان النصف من شعبان فلا صوم حتى رمضان ].
هذا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.