اشرف صبرى عضو جديد
الجنس : تاريخ التسجيل : 12/07/2009 عدد المساهمات : 22
| موضوع: نشأة وتطور علم الإحصاء الخميس أكتوبر 14, 2010 8:51 pm | |
| نشأة وتطور علم الإحصاء استمر الإنسان في الاعتماد على تأملاته فترة طويلة في سبيل البحث عن الحقائق المحيطة به وكانت هذه التأملات الأساس الذي مهد الطريق إلى البحث العلمي ، حيث أنتقل الإنسان من بحثه عن طريق التأمل بالاستناد على منهاج الملاحظة ثم بدأ بالاعتماد على التجربة في العمل كمنهاج لبحثه عن الحقيقة إلى أن استطاع أن يتوصل إلى منهاج آخر يستعين به في الكشف عن الحقائق ذات العلاقة بالإنسان سواء كانت متعلقة بالنواحي الاجتماعية أو الاقتصادية والذي تمثل في انتهاج الأسلوب العلمي الإحصائي ، حيث تطور علم الإحصاء وتطبيقاته عبر سنوات طويلة بجهود ومشاركة كثير من العلماء من كافة أنحاء العالم العاملين في حقول وميادين مختلفة . وتشير كثير من الدلائل على الاهتمام بالإحصاء واستخدامه منذ زمن بعيد (العصور القديمة) حيث أقتصر اهتمام الحكومات منذ القدم بالمعلومات الاجتماعية وذلك لأغراض التنظيم والتخطيط ، واستخدم الإحصاء في عصره الأول في جمع البيانات عن السكان وحصرهم من قبل الدولة لأهداف معينة تتمثل في استخدامهم في الجيوش أو توجيههم لتنفيذ بعض المباني أو لغرض فرض الضرائب أو لتوزيع الأراضي الزراعية على السكان بطريقة عادلة ، ويعد قدماء المصريين أول من أستخدم هذا الأسلوب . وفي القرن السابع عشر والذي يمكن اعتباره العصر الإحصائي الثاني تم استخدام الطريقة الرقمية للدلالة على الظواهر موضوع البحث على اعتبار أن هذه الطريقة أدق وأقوى في التعبير عن هذه الظواهر وتركز الهدف من هذه الطريقة في معرفة عدد السكان وعدد المواليد وعدد الوفيات ومقدار الثروة والدخل ومقدار الضرائب المحصلة وكمية الناتج من المحاصيل الزراعية .
وباختصار نجد أن مجال الإحصاء قبل القرن العشرين كان مرتبطاً في الغالب بالمجالات الاقتصادية والاجتماعية المتمثلة بتعداد السكان ومعرفة خصائصهم الاجتماعية والاقتصادية ، وكانت الأساليب الإحصائية المستخدمة تمتاز بالبساطة بحيث لم توفر للإحصاء الأسس والمقومات الكافية لأن يصبح علماً .
ويمكن تحديد بداية العصر الإحصائي الثالث مع تطور علوم الرياضيات في القرن الثامن عشر وظهور بعض النظريات العلمية الهامة مثل نظرية الاحتمالات التي كان لها الدور الكبير في تطور هذا العلم واكتسابه أهمية كبرى بحيث أصبح علماً مستقلاً وانتشر استخدامه وبدأ الاهتمام من قبل العلماء في تطبيق النظريات والطرق والأساليب الإحصائية في الكثير من فروع العلم الحديث كالهندسة والطب والصيدلة والزراعة والصناعة والجغرافيا والفلك وعلم النفس باعتباره الطريقة الصحيحة والأسلوب الأمثل إتباعه في البحث العلمي .
وأخيراً فقد أدى ظهور الحاسبات الآلية وتطورها في وقتنا الحالي بأنواعها المختلفة وبقدرتها الفائقة ودقتها المتناهية إلى تمهيد الطريق لاستخدام وتطبيق الأساليب الإحصائية المختلفة في شتى المجالات والميادين .
أهمية استخدام الأساليب الإحصائية
يعد استخدام الأسلوب الإحصائي في أي دراسة الوسيلة المأمونة التي يمكن أن تضمن تحقيق الأهداف المرجوة من وراء تنفيذها سواء كان الهدف المقصود من الدراسة التعرف على نواحي معينة لبعض الظواهر الاجتماعية أو الاقتصادية أو لدراسة مشكلة معينة قائمة أو متوقعة ووضع الحلول المناسبة لها .
ويمكن للمنشآت سواء التابع منها للقطاع العام أو الخاص القيام بالأعمال والمهام والواجبات المنوطة بها على الوجه المطلوب إذا ما توافرت لها المعلومات والبيانات والمؤشرات الإحصائية وعلى درجة من الدقة والشمول ، فعلى سبيل المثال يمكن للمؤسسات العاملة في قطاع الخدمات الأمنية توزيع خدماتها على جميع نواحي الدولة بشكل مناسب استنادا إلى البيانات المتوفرة عن التوزيع الجغرافي للسكان في هذه المناطق وطبيعتها الجغرافية ، كما ويمكن للقائمين على قطاع الخدمات التعليمية تلمس احتياجات المجتمع من المؤسسات التعليمية واحتياجاتها من المباني التعليمية والمدرسين والإدارات المدرسية في ضوء توفر بيانات ومعلومات مفصلة ودقيقة عن السكان وتوزيعهم العمري والنوعي ، كما أن التخطيط لإقامة مشاريع صناعية كانت أو تجارية تستلزم بالضرورة توفر بيانات عن مقومات قيام مثل هذه المشاريع ودراسة الجدوى الاقتصادية المأمولة من وراء إنشائها .
إن الأخذ بأساليب التخطيط التنموي ورسم السياسات التنموية لكل دولة يتطلب توفر بيانات ومعلومات ومؤشرات إحصائية مع ضمان دقتها وشمولها من أجل بلوغ الأهداف المرجوة من التخطيط وتمكين القائمين على التخطيط من متابعة تنفيذ جميع مراحل الخطط المرسومة والتأكد من سير هذه المراحل على الوجه المطلوب .
ومن المعروف بأن استخدام الأساليب الإحصائية أصبح من الأعمدة الأساسية التي يركن إليها في التوصل للحلول المناسبة لكثير من المشاكل والقضايا التي تهم المجتمع كقضايا الصحة والتعليم والزراعة والصناعة والتجارة .
مما سبق يتضح بأن أهمية علم الإحصاء تكمن في أنه استطاع في الآونة الأخيرة أن يضع أساليبه العلمية ونظرياته موضع التطبيق بالإضافة إلى أهميته النظرية وفوائده التطبيقية الواسعة ، ويعكس ذلك الاتجاه الحديث للإحصاء واستخدامه بواسطة المنشآت على اختلاف أنواعها وأنشطتها في سبيل الوصول إلى قرارات حكيمة وبحيث أصبح من الممكن القول بأن الأساليب الإحصائية تستخدم غالباً في كل الدراسات والبحوث العلمية . ففي قطاع التجارة زاد الاهتمام باستخدام الأساليب الإحصائية لرسم سياسة المنشآت العاملة في هذا المجال في جميع عملياتها المختلفة بشكل يمكنها من اتخاذ قراراتها التجارية السليمة على أسس علمية ومراقبة عملياتها التجارية ورسم الخطط لعملياتها المستقبلية ، وبشكل عام يعتمد الاقتصاديون في وقتنا الحاضر اعتماداً كبيراً في رسم السياسات الاقتصادية على الأساليب الإحصائية من خلال دراستهم لعدد من المواضيع ذات العلاقة الوطيدة بالاقتصاد كإحصاءات الدخل القومي والإنفاق الاستهلاكي والتجارة الداخلية والخارجية والإنتاج الصناعي والزراعي والأرقام القياسية لأسعار السلع والخدمات وتكاليف المعيشة والإحصاءات المتعلقة بالبنوك والاستثمارات والمدخرات وإحصاءات القوى العاملة والإحصاءات السكانية والحيوية .
الوظائف الأساسية للإحصاء
يتضمن علم الإحصاء الأسلوب العلمي اللازم لتقصي حقائق الظواهر واستخلاص النتائج عنها ، كما يتضمن أيضا النظرية اللازمة للقياس واتخاذ القرارات في كافة الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وهو بذلك يعطي للباحثين والدارسين في تلك المجالات أدق أداة للبحث العلمي المبني على الأسلوب والنظرية ، ولعلم الإحصاء وظائف متعددة يمكن من خلالها استخلاص الكثير من الحقائق والنتائج الهامة والضرورية لوضع ورسم الخطط التنموية ، ومن هذه الوظائف ما يلي :
ـ وظيفة العد ( الحصر
تعتبر وظيفة العد أو الحصر من أساسيات العمل الإحصائي بصرف النظر عن تطورات هذه الوظيفة في حد ذاتها ، فلقد بدأت انطلاقة العمل الإحصائي لعلم الإحصاء من هذه الوظيفة وعرف من خلالها وأرتبط بها ارتباطاً قوياً في الحقب القديمة من التاريخ ، ووصلت قوة هذا الارتباط إلى الدرجة التي عرف بها علم الإحصاء على أساس أنه علم العد أو الحصر أو التعدادات لقيم الظواهر المختلفة المحيطة والمؤثرة في النشاط اليومي للإنسان .
ولقد ظلت وظيفة عد الأشياء فترة طويلة من حقب التاريخ السابقة مسخرة لخدمة أهداف خاصة بالدولة ، وانحصرت الوظيفة في إطار هذه الأهداف الخاصة مما حد ذلك من التطور الوظيفي لعلم الإحصاء وأدى إلى تأخر ظهور الأساليب والنظريات الإحصائية في فترة مبكرة مثل باقي العلوم . فلقد انحصرت وظيفة حصر الأشياء في معرفة عدد الرجال لأي دولة مع مقارنة ذلك بما هو موجود في الدولة ممثلة في جيشها مما يساعد في اتخاذ قرارات الحروب ، كما استخدمت هذه الوظيفة في تحديد ما لدى الدولة من أموال حتى يكون ذلك مرشداً عند وضع السياسة الضريبية الحاضرة والمقبلة ، وإلى جانب ذلك فلقد عرفت التعدادات التجارية والزراعية والصناعية في صورة عامة إجمالية لغرض حصر الموارد الاقتصادية للبلاد ومقارنة ذلك بما هو موجود في الدول الأخرى .
غير أن التقدم التقني والذي فرض نفسه فجأة في جميع مجالات حياتنا اليومية كان له تأثيره في تغيير وجهة النظر الكلاسيكية تجاه وظيفة العد والإحصاء . فلم تعد عمليات التعدادات سواء ، كانت عن النواحي الديموغرافية أو الزراعية أو التجارية أو الصناعية ، عبارة عن عملية حصر إجمالي للأشياء وقيم الظواهر ، بل أصبحت هذه الوظيفة تعطي لنا المزيد من البيانات والمعلومات التفصيلية في كل المجالات بأسلوب يخدم أغراض التخطيط والتنمية الاقتصادية للبلاد من خلال أسلوب يعتمد على النظريات الإحصائية في تفسير الاتجاهات وتحليل التغيرات وتفسير العلاقات بين المتغيرات وإيضاح أسبابها . زيادة على ذلك فإن تطور هذه الوظيفة كان من شأنه اقتحام ميادين جديدة لم تكن موجودة من قبل ، حيث لم تعد وظيفة الحصر قاصرة على تعداد السكان أو التعداد الزراعي أو التعداد الاقتصادي فحسب بل أصبح يوجد الآن إحصاءات خاصة بالقوى العاملة وإحصاءات تفصيلية للتجارة الخارجية وإحصاءات مالية ونقدية وإحصاءات المواصلات وإحصاءات الدخل وغير ذلك لما هو ضروري وأساسي في عملية التقدم والرقي .
2 ـ وظيفة جمع البيانات : ثاني وظائف العمل الإحصائي ، يقدمه لنا الأسلوب الإحصائي لجمع البيانات عن مختلف الظواهر المحيطة بنا ، هذه الوظيفة لها وجود يمتد إلى فترة طويلة سابقة منذ الوقت الذي كان يعرف فيه العلم على أساس أنه علم جمع البيانات والحقائق وتستمد هذه الوظيفة أهميتها من خلال ضرورة توافر البيانات عن الظواهر والعوامل المحددة لها ، والمعلومات عن الظواهر موضع البحث بحيث يمكن دراسة وتحليل واستخلاص النتائج واتخاذ القرارات . فإذا ما أتبع أسلوب غير علمي وغير موضوعي في جمع البيانات وبطريقة غير دقيقة أدى ذلك إلى الحصول على حقائق عن الأشياء غير سليمة متحيزة وكان ذلك مصدراً في إفساد النتائج واتخاذ قرارات لها خطورتها وغير مأمونة العواقب والعكس صحيح إذا ما أتبع أسلوب علمي موضوعي غير متحيز في جمع البيانات أدى ذلك إلى الحصول على حقائق عن الظواهر بطريقة سليمة غير متحيزة وكان ذلك مصدراً أساسياً للوصول إلى نتائج دقيقة سليمة وإلى اتخاذ قرارات على درجة كبيرة من الكفاءة عند مستوى مرتفع من الثقة .
وبقدر قدم هذه الوظيفة الإحصائية إلا أنها وظيفة متطورة من حيث العمق والأتساع حيث أنها أصبحت تحوي أحسن وأدق وأحدث الطرق العلمية في جمع البيانات إلى جانب أنها لم تعد وظيفة جمع البيانات عن الظواهر التقليدية لتحديد قوة الدولة أو قدراتها على محاربة دولة مجاورة أو رغبتها في جباية الضرائب أو فرض نوعية جديدة منها ، بل امتدت عملية جمع البيانات لمعرفة أدق الحقائق عن الظواهر بمختلف أنواعها لتلبية احتياجات عملية التخطيط لكافة الأنشطة المختلفة للدولة العصرية من نشاط صناعي وتجاري وزراعي إلى نشاط اجتماعي ثقافي سواء كان ذلك على المستوى القومي أو الخاص .
وغني عن البيان فأن الأسلوب الإحصائي في إطاره الحديث وأسلوبه الجديد يقدم للباحث الطريقة العلمية لتجميع وجمع البيانات من مصادرها المختلفة بطرق موضوعية دون أي تحيز .
ويعتمد أسلوب جمع البيانات على الأسلوب العيني من واقع سحب عينة ممثلة لمجتمع ظاهرة البحث ومن واقع إطار إحصائي شامل .
3 ـ وظيفة التحليل البياني للمعلومات : تعتبر هذه الوظيفة هي نقطة تحول أساسية في التطور الوظيفي لعلم الإحصاء وبداية لهذا التطور فبعد أن كانت العملية الإحصائية محصورة في مجرد إحصاء للبيانات من خلال وظيفتي العد وجمع البيانات أصبحت العملية الإحصائية تمتد إلى أبعد من ذلك وأعمق في وقتنا الحاضر وذلك على نحو ما سيأتي من خلال تتبع التطور الوظيفي للعلم . وفيما سبق كان الانطباع عن حقائق الظواهر يؤخذ بطريقة محدودة وسطحية غير دقيقة حيث أن وظيفتي العد وجمع المعلومات عن خصائص ظواهر المجتمع المختلفة لم تعد كافيه لتأسيس أخطر وأدق الحقائق عن الظواهر .
وباستحداث أسلوب التحليل البياني أصبح سهلاً على الباحثين والدارسين تحديد أكبر عدد ممكن من خصائص الظواهر المحيطة وبطريقة علمية تهدف إلى إعطاء أشكال بيانية للظاهرة من خلال البيانات المتاحة عنها مما يسهل ويبسط تحديد الخصائص والعلاقات والاتجاهات العامة للظاهرة وتحديد انتماء الشكل إلى بعض المجموعات الأساسية ذات الخصائص المحددة .
هذا الأسلوب في نطاق العمل الإحصائي هام ومفيد في مجال تحليل الظواهر بطريقة سهلة مبسطة فالشكل البياني هو أسهل الأدوات في الحكم والتعبير عن أهم الحقائق للظواهر موضع الدراسة .
4 ـ وظيفة التحليل الكمي للبيانات : هذه الوظيفة تعد إضافة هائلة إلى أسلوب العمل الإحصائي في دراسة خصائص الظواهر بطريقة قياسية كمية أعطت للعلم قوة وأهمية ومكانة بين باقي العلوم الأخرى ظهرت في القرن السابع عشر وكانت نتيجة حتمية للتطور الهائل في استخدام العلوم والتكنولوجيا في كافة ميادين الحياة الحديثة .
ويعتمد هذا الأسلوب في البحث على استخدام المقاييس والمؤشرات الإحصائية بطريقة علمية وموضوعية سليمة في تقصي الحقائق وتحديد أدق الخصائص ومعرفة أسباب الحركة المستمرة لأهم ظواهر حياتنا اليومية . ونتيجة لاستخدام الأسلوب الكمي في تحليل المعلومات أصبحت النتائج على درجة عالية من الدقة تصلح أساساً سليماً مطمئناً لاتخاذ القرارات .
5 ـ وظيفة وضع الفروض : إن تعدد المشاكل في مختلف مجالات حياتنا المعاصرة ووجود الكثير من المتغيرات التي تحكم حركة هذه المشاكل وتعقد العلاقات المبادلة بين هذه المتغيرات وتشابكها وصعوبة تحديد العلاقات بينها بطريقة جعلت عملية البحث العلمي أكثر تعقيداً مما كانت عليه أدى ذلك إلى البحث عن الطريقة العلمية لتبسيط عملية التعامل مع هذه المتغيرات .
ويعتبر أسلوب العمل الإحصائي في تطوره الوظيفي من أدق وأحسن هذه الطرق ، حيث أن الأسلوب الإحصائي في شكله المعاصر يعطي للباحث الأسلوب العلمي لكيفية التعامل مع المتغيرات التي تحكم نظم التغير في الظواهر المختلفة .
ووظيفة وضع الفروض تهدف أساساً إلى تبسيط المشكلة موضع الدراسة والتحليل وذلك من خلال وضع فروض محددة من منطلق ما يتصوره وما يشعر به الباحث تجاه ما ينوي دراسته ووضع النتائج بصدد حل المشكلة موضع البحث . والأسلوب الإحصائي يعطي لنا تصور عام لطريقة وضع الفروض تمهيداً لاختبارها سواء كانت هذه الفروض على المستوى البسيط أو المعقد .
ويعتبر أسلوب عزل بعض المتغيرات أي افتراض عدم تأثيرها على الظاهرة موضع الدراسة أحد الأساليب المستخدمة في تبسيط طرق معالجة المشاكل وتحديد الخصائص والتأكد من صحة بعض النظريات . فالدارس للمتغيرات المؤثرة في حجم مبيعات أحد السلع ويريد قياس مدى تأثير أحد هذه المتغيرات فإنه يفترض ثبات أثر العوامل العشوائية أو الدورية مثلاً حتى يستطيع بذلك تحديد درجة تأثير عامل الاتجاه العام أو الأثر الموسمي على حجم المبيعات .
كما أن الباحث الاقتصادي عند وضع تصور عام عند بحث أحد المشاكل الاقتصادية إنما يحاول أن يضع المتغيرات المحددة لهذه المشكلة داخل إطار تصوره وذلك من خلال التفسير والافتراض ، فهو قد يفترض مثلاً رشد المستهلك أو رغبة المنتج في تعظيم دالة الربح أو تصغير دالة التكاليف وهو بذلك يكون قد عزل العديد من المتغيرات التي قد تتعارض مع هذه الفروض أو التي قد لا تفسر العلاقات المتبادلة بين متغيرات الظاهرة موضع البحث والدراسة .
ويشير العمل الإحصائي من خلال هذه الوظيفة إلى العديد من الاعتبارات والضروريات التي يجب الاسترشاد بها عند وضع الفروض تمهيداً لاختيارها وللتأكد من صحتها أو عدم صحتها . فعند إتباع أسلوب الإبعاد أو عزل المتغيرات أو عند وضع بعض الافتراضات السلوكية يجب ألا نتمادى في عزل العديد من المتغيرات حتى لا نفتقد الحقيقة وتثبيت عكسها بطريق مضلل نتيجة إفتراض هذا القبيل وعليه فيجب على الباحث وضع ترتيب منظم لدرجة تأثير وأهمية المتغيرات على حركة الظاهرة مع عدم إهمال إمكانية قياس التغير في هذه المتغيرات ومدى إمكانية استخدام القوانين والنظريات الإحصائية في ذلك .
وبصفة عامة فإننا يجب أن نحكم المنطق عند وضع الافتراضات والأوليات لدرجة تأثير المتغيرات على الظاهرة غير متجاهلين موقف هذه الافتراضات من الاختبارات الإحصائية .
6 ـ وظيفة الاختبارات الإحصائية : هذه الوظيفة مكملة للوظيفة السابقة فاستخلاص النتائج واتخاذ القرارات لدراسات مبنية أساساً على وضع فروض محددة يجب ألا يتم إلا بعد اختبار صحة هذه الفروض وهنا نجد دوراً كبيراً للنظريات الإحصائية والتي خصصت لكيفية اختبار صحة هذه الفروض في ظل درجات قمة عالية وأدنى درجات من الخطأ المسموح به .
والمعروف إحصائياً أن اختبار الفروض في مجال الدراسات الميدانية يكون أصعب منه في مجال الدراسات المعملية . فالدراسات الميدانية بحكم تغير ظواهرها والعديد من المتغيرات التي في كثير منها يصعب تحديدها عددياً أو قياسها كمياً وبالتالي فانه في هذه الحالة فإن الاختبار يتم من خلال المشاهدات المتكررة ومقارنة عملية التغير في الظاهرة وحقيقة هذا التغير بالفروض الموضوعة ويكون لنا قبول الفرض عن ملاحظة عدم وجود اختلافات جوهرية بين ما تم تسجيله من واقع المشاهدات وما تم افتراضه من واقع التصور وتفسير علاقات متغيرات للظاهرة ، ويعتبر الفرض صحيحاً إحصائياً ويمكن قبوله وذلك من خلال إتباع الأسلوب الإحصائي لاختبارات الفروض ، أما إذا وجدت اختلافات جوهرية فيجب علينا رفض الفرض وعدم قبوله لأنه بذلك يكون فرضاً غير صحيحاً لأن المشاهدات الواقعية لا تؤيد ما كان يتوقعه الباحث عند تفسيره للتغير في الظواهر ولم يكن موفقاً في ذلك ، بينما يتم اختبار الفروض في الدراسات المعملية من خلال تسجيل القراءات والقياسات نتيجة إجراء التجارب المعملية مع تطبيق بعض النظريات الإحصائية لاختبارات الفروض والتي سوف يتم التعرض لها فيما بعد لمعرفة درجة تطابق النتائج المعملية بما تصوره وتنبأ به الباحث من قبل حتى يمكن قبول هذه الفروض أو رفضها فإذا تم التوصل إلى عدم وجود فرق جوهري بين القراءات وما تم التنبؤ به من قبل فيمكن قبول النظرية ويكون الفرض في هذه الحالة صحيحاً في حدود خطأ مسموح به عند مستوى معين ، وفي حالة التوصل إلى وجود فرق جوهري وحقيقي ( معنوي ) بين قياسات التجارب المعملية وما تم تصوره تجاه متغيرات الظاهرة سواء كان من خلال النظرية أو الفرض ففي هذه الحالة يتم رفض النظرية أو الفرض .
ولا ننسى هنا أن رفض الفرض يعني عدم صحته على الإطلاق ولكن هذا يعني أن الباحث لم يتوصل بعد من خلال مشاهداته الواقعية أو قياساته وقراءاته المعملية إلى درجة قبول هذا الفرض ، كما لا ننسى هنا إلى الإشارة بأن الخبرة الطويلة والخلفية السابقة في نطاق وضع الفروض واختبارها دور لا يمكن إهماله بأي حال من الأحوال في واقعية الفروض وقربها من الحقيقة وقبولنا هذه الفروض بعد اختبارها .
كما أن الإلمام بالطرق والأدوات الإحصائية والقوانين والنظريات المنظمة لأسلوب الاختبار الإحصائي يساعد إلى درجة كبيرة في استخلاص النتائج السليمة وإصدار القرار غير المتحيز بالنسبة لحل العديد من مشاكل وقتنا المعاصر .
7 ـ وظيفة استخلاص النتائج : إن التطور الوظيفي لأسلوب العمل الإحصائي والذي ظهر بوضوح في نهاية القرن السابع عشر ومصاحبة هذا التطور بتطور في الطرق والنظريات واستخدام نظريات جديدة لها مجال تطبيقها الواسع الانتشار في العديد من نواحي الحياة المعاصرة المعقدة ، أدى ذلك إلى وجود الأسلوب العلمي في إطار إحصائي على درجة عالية من الكفاءة في استخلاص النتائج بطريقة موضوعية بعيدة عن أخطاء يمكن أن تقع نتيجة الاعتماد على الطرق العادية في استخلاص النتائج ولقد أصبحت النظرية الإحصائية في وقتنا المعاصر من أدق الأدوات للدراسات العلمية والتي يعتمد في تكوينها على فروض محددة وتأكد من صحة هذه الفروض واستخلاص النتائج .
8 ـ وظيفة اتخاذ القرارات : أن أي دراسة علمية هادفة سليمة هي تلك التي تنتهي باتخاذ قرارات عملية صالحة للعمل بها . غير أن اتخاذ القرار السليم ليس بالمسألة السهلة وذلك لتشابك الأمور وتداخلها أو تعقد المتغيرات عن الظواهر وتأثيرها المتبادل في بعضها في ظل وجود العديد من البدائل لحل المشاكل وصعوبة تحديد البديل المناسب بسهولة إلا أن الأسلوب الإحصائي وما يحمله في طياته من قوانين ونظريات إحصائية متطورة حديثة قد ساهم بقدر عظيم وخصوصاً بعد أن أخذت نظرية الاحتمالات والتوقع الرياضي نصيباً هائلاً من التطور في اتخاذ القرارات بدرجة من الثقة العالية وبنسب خطأ عند حدودها الدنيا .
لقد أصبحت وظيفة اتخاذ القرارات هي أساس العمل الإحصائي وعموده الفقري وأصبح علم الإحصاء في وقتنا المعاصر يفهم ويعرف من خلال وظيفة اتخاذ القرارات .
9 ـ وظيفة التنبؤ الاستدلالي : من أهم وظائف واستخدامات الأسلوب والنظرية في علم الإحصاء وظيفة التنبؤ الاستدلالي بالخصائص والمؤثرات للعديد من متغيرات الظواهر في المجتمع . ومن خلال هذه الوظيفة وباستخدام طرق القياس والتحليل الإحصائي يمكن التوصل إلى اتجاه عام لما سيحدث في المستقبل للمتغيرات التي تتحكم في ظاهرة ما ، مثل التنبؤ بحجم الطلب الكلي أو التنبؤ بمعاملات المتغيرات المحددة لدالة الاستثمار القومي أو الدخل القومي إلى غير ذلك .
والتنبؤ في هذا الإطار خاص بالمستقبل وبتوضيح العلاقات بين متغيرات الظواهر لفترة مستقبلية . غير أن التنبؤ في مفهومة الاستدلالي أو التنبؤات الاستدلالية هي تلك التي تخص الماضي وليس المستقبل حيث يكون لها طابع الاستدلال أو الاكتشاف أو التأكد من وجود ظاهرة متكررة الحدوث دون ملاحظة سبب ذلك ويكون التنبؤ هنا لتأكيد وجود الظاهرة من خلال الملاحظة والقياس وتطبيق أسلوب العمل الإحصائي في تجميع البيانات وتسجيل الاتجاهات وتحديد الأسباب وتفسير التغيرات واستخلاص النتائج ، ففي هذا النوع من التنبؤ يقوم الباحث بوضع فروض محددة محاولاً بعد ذلك جمع البيانات مع الإطلاع على التقارير والسجلات عن الظاهرة موضع التنبؤ واختبار صحة هذه الفروض .
10 ـ وظيفة البحث العلمي : إن التطور الوظيفي لعلم الإحصاء في الإطار السابق عرضه إنما يعطي لنا أسلوباً علمياً وأداة حديثة تخدم أسلوب الدراسات العلمية سواء كانت ميدانية أو معملية . فإذا ما قمنا بأخذ الوظائف السابقة في ترتيبها المنطقي لوجدناها تصلح أساساً لخطوات تتبع في تنفيذ البحث العلمي . وعليه فإن العمل الإحصائي كالعملة لها وجهان الوجه الأول يعبر عنه بالوظائف الرئيسة لعلم الإحصاء أما الوجه الآخر فيعبر عنه بوظيفة البحث العلمي .
والباحث أو الدارس في استخدامه لهذه المراحل أو الوظائف في دراسته الميدانية أو المعملية ، يجب أن يدرك ويستوعب هذه المراحل ويعتبرها أحد طرق البحث العلمي ، كما يجب عليه أن يجيد الاختيار طبقاً لطبيعة دراسته ونوعية المتغيرات التي يتعامل معها ، وتحكيم كل من عنصري الزمان والمكان في ذلك .
وبصفة عامة فإن علم الإحصاء من خلال وظائفه المختلفة من اختيار موضوع البحث وتجميع المعلومات وتحليلها مع وضع الفروض واختيارها وأخيراً استخلاص النتائج واتخاذ القرارات إنما يصلح لأن يكون من أدق طرق البحث العلمي وإضافة حقيقية في هذا الميدان .
الإحصاء وعلاقته بالعلوم الأخرى
علم الإحصاء هو علم العلاقات المتبادلة بالعلوم الأخرى فهو يؤثر ويتأثر بها في نطاق تطورها المستمر عبر التقدم التكنولوجي المعاصر حيث تحتل الطرق والنظريات الإحصائية مكانة مرموقة في العلوم الأخرى وتعتبر أساساً لتطورها ولاستحداث أبسط وأسرع الطرق في نطاق تطبيقها علمياً وذلك على نحو ما سيأتي :
1 ـ علاقة علم الإحصاء بمجموعة العلوم الإدارية : يرتبط علم الإحصاء ارتباطا قوياً بمجموعة العلوم الإدارية وذلك على أساس أن وظائف علوم الإدارة تستند في القيام بها بطريقة موضوعية على العديد من الطرق والنظريات الإحصائية .
فاتخاذ القرار ضروري وهام في علم الإدارة ويجب أن يؤخذ على أساس علمي غير متحيز ولكي يكون كذلك بفضل استخدام الأسلوب القياسي وهنا نجد أن نظرية الاحتمالات والتوقع الرياضي تقدم لنا هذا الأساس القياسي في اتخاذ القرار .
كما أن تخطيط عمليات الشراء أو البيع ودراسة طرق التخزين المتعددة وإدارة الإنتاج الصناعي وسياسات التسويق المختلفة والدراسات السلوكية المتعلقة بالمنتج والمستهلك وشؤون إدارة الأفراد وإدارة المؤسسات المتخصصة ودراسة الوقت والحركة كل هذا إنما يحتاج من دارسي العلوم الإدارية ومتخصصيها والباحثين في كافة هذه المجالات الإلمام بأحدث الطرق والأساليب الإحصائية وما تعطيه النظريات الإحصائية من تفسيرات وتحديداً للعلاقات بين متغيرات هذه العلوم وقدرة كبيرة على وضع الفروض واختبارها والتأكد من صحتها ومعرفة درجة صدق المقياس المستخدم وثباته والقدرة على استخدام وتطبيق خرائط المراقبة الإحصائية لجودة الإنتاج وكلها أمور يستطيع الإداري الملم والمطلع بالجوانب المختلفة لعلم الإحصاء أن يتقن تنفيذها واستخدامها حيث أنها ضرورية ومستخدمة ومطبقة حالياً وأساسية في كافة علوم الإدارة .
2 ـ علاقة علم الإحصاء بأساليب بحوث العمليات : تعتمد أساليب بحوث العمليات في عرضها واستخداماتها على العديد من المفاهيم والأساليب والقوانين الإحصائية ، مما يجعل من الضروري لمستخدمي أساليب بحوث العمليات الإلمام التام بالطرق الإحصائية ونظرياتها المختلفة .
وتحتل نظرية الاحتمالات والتوقع الرياضي والتوزيعات الاحتمالية وعلى الأخص التوزيع ذي الحدين وتوزيع بواسون في هذا الصدد مكانة مرموقة باعتبارها أساسية في وضع النماذج الرياضية المختلفة في حل المشاكل الإدارية والاقتصادية وتحديد تفسير العلاقات المتشابكة لمتغيرات كل نموذج ثم اتخاذ القرار اللازم لحل المشكلة والتأكد من صحة ذلك .
3 ـ علاقة علم الإحصاء بمجموعة العلوم المحاسبية : إن استخدام طرق محاسبية جديدة في وقتنا المعاصر كان أساسه الطرق والنظريات الإحصائية في مجال مجموعة العلوم المحاسبية فالفضل يرجع إلى الأساليب الإحصائية والمبادئ والنظريات الحديثة لهذا العلم في تقدم مختلف العلوم المحاسبية حيث أصبحت النظم المحاسبية الحديثة هي التي تعتمد على النظرية الإحصائية في عرض الموضوعات بشكل مبسط غير متحيز ، فالمراجعة المستندية تعتمد وتستخدم أسلوب ونظرية العينات في عمليات المراجعة المختلفة في حدود درجات من الثقة المرتفعة دون تضحية بأخطاء لها ضررها على المراجع مع توفير الوقت والجهد والتكاليف تمشياً مع روح العصر في ضرورة السرعة في إتمام عملية المراجعة في ظل ظروف العمل الشاقة وكثرة العمليات المطلوب مراجعتها ، كما أن فكرة التكاليف المعيارية تعتمد أساساً على خصائص التوزيع المعتدل وعلى استخدام بعض المقاييس والمؤشرات الإحصائية .
وفي وقتنا الحالي أصبح الإحصاء جزء هام وضروري في دراسة المحاسبة الإدارية والنظم المحاسبية المعاصرة حيث أن اتخاذ قرار بين عدة بدائل لاختيار أنسب الطرق في التقدير والتنبؤ أصبح أساسه إحصائي قبل أن يكون محاسبي وذلك من خلال استخدام المقاييس والمؤشرات والنظريات والجداول الإحصائية .
4 ـ علاقة علم الإحصاء بعلم الاقتصاد : من الصعب فصل العمل الإحصائي عن العمل الاقتصادي فأي دراسة اقتصادية هدفها التخطيط أو التقدير أو التنبؤ سواء كان ذلك على مستوى المشروع الخاص أو الاقتصاد القومي يلزمها توفر البيانات والمعلومات عن كافة المتغيرات المحددة لهذه الدراسة والذي بدورة يمكن الحصول عليها باستخدام أسلوب العمل الإحصائي ، كما أن دراسة السوق لغرض معرفة وتحديد العوامل المؤثرة على طلب وعرض إحدى السلع أو الخدمات يكون من خلال الأسلوب العلمي للعمل الإحصائي ، ولا يمكن أن تخطط المدن وتحدد الأولويات العمرانية بين سكنى الأفراد وبناء المصانع وإقامة المحال التجارية وبناء المدارس والمستشفيات وتحديد التوزيع النوعي والعمري للسكان واللازمين لعملية التخطيط والبناء إلا بوجود بيانات ومعلومات كافية وشاملة عن ذلك ، وهنا نجد أن الإحصاءات الديموغرافية الغنية بالمقاييس والمؤشرات الإحصائية في هذا المجال وإحصاءات سوق العمل والإحصاءات الاقتصادية (تجارية ، صناعية … الخ) وأيضاً الإحصاءات النقدية والمالية وإحصاءات المعاملات الخارجية ، كل هذه الإحصاءات تعتبر من أهم المصادر للمعلومات الضرورية للقيام بعملية التخطيط على كافة المستويات .
إن علم الإحصاء أصبح اليوم جزء أساسي وضروري للعمل الاقتصادي وتقدمه ، فأي دراسة اقتصادية إنما تعتمد على أسلوب العمل الإحصائي في تنفيذ ذلك ، كما أن المؤشرات والمقاييس الإحصائية أصبحت من الأدوات اللازمة في حقل العمل الاقتصادي سواء كان ذلك يتعلق بالأسعار أو الأجور أو بالاتجاهات العامة لكل من الادخار والاستثمار أو الاستهلاك أو أي متغير من متغيرات الاقتصاد القومي بصفة عامة سواء أكان ذلك لغرض التخطيط أو لعمل المقارنات .
5 ـ علاقة علم الإحصاء بعلم الاقتصاد الرياضي : إذا كان الاقتصاد الرياضي عبارة عن الطريقة التي تستخدم للتعبير عن العلاقات بين المتغيرات الاقتصادية للظواهر بشكل رياضي مستفيدين بذلك لما قد يعطيه لنا الأسلوب الرياضي عند التعبير عن المشاكل الاقتصادية من سهولة وتبسيط للعرض ودقة في الوصول إلى النتائج دون تحيز أو غموض في تفسير الحقائق ، فإن الأسلوب الرياضي يعتمد إلى درجة كبيرة في عرضه لهذه المشاكل وصياغتها رياضياً إلى الأسلوب الإحصائي ونظرياته وخصوصاً عند تصميم النماذج الاقتصادية بأشكالها المختلفة وما يتضمنه ذلك من وضع للفروض وإجراء للاختبارات الإحصائية واستخدام طرق التنبؤ الإحصائي للمتغيرات الاقتصادية موضع البحث وذلك لتحديد الاتجاهات وتعميم النتائج .
وفي الآونة الأخيرة وصلت العلاقة بين علم الإحصاء والاقتصاد الرياضي إلى درجة ملحوظة وخصوصاً من وجهة نظر الاقتصاديون الذين يرون ضرورة وضع بعض الفروض الواقعية عند تصميم النماذج الرياضية والتي تجعل الثغرة بين نظرية النماذج وواقعية تطبيقها أقل ما يمكن .
6 ـ علاقة علم الإحصاء بعلم الاقتصاد القياسي : إذا تم التعبير عن المشاكل والنظريات الاقتصادية في صيغة رياضية وذلك من خلال النماذج الرياضية مع الأخذ في الاعتبار واقعية الفروض المحددة لشروط الصياغة الرياضية للنموذج أي الأخذ في الاعتبار العوامل الخارجية المؤثرة بدرجة معينة في طبيعة المشكلة الاقتصادية موضع البحث فإننا نكون في هذه الحالة بصدد أسلوب الاقتصاد القياسي ، والاقتصاد القياسي بهذا التصور يكون أقوى إلى درجة كبيرة في علاقته وتأثره بالأسلوب الإحصائي منه في الاقتصاد الرياضي .
وتقدم النظرية الإحصائية من خلال أسلوب العمل الإحصائي للعديد من احتياجات وأدوات العمل للاقتصاد القياسي من حيث العديد من المقاييس والمؤشرات الإحصائية وطرق قياس أثر المتغيرات المختلفة والمؤثرة في المشكلة الاقتصادية موضع الدراسة بكل تحديد ودقة إلى جانب استخدام طرق القياس الإحصائي في تخليص العديد من الظواهر الاقتصادية من أثر بعض المتغيرات مع عمل التطبيقات المختلفة بها من حيث إمكانية التحكم في قيامها والتنبؤ بما يمكن أن تكون عليه مستقبلاً ، وإذا كانت طريقة الاقتصاد القياسي في البحث نعتمد إلى حد كبير على ما يمكن مشاهدته عملياً من خلال الدراسات الميدانية فإن الطريقة الإحصائية هي خير طريقة علمية يمكن استخدامها في هذا المجال .
7 ـ علاقة علم الإحصاء بعلم الرياضة البحتة : العلاقة بين علم الإحصاء وعلم الرياضة البحتة قوية وعظيمة فالعديد من النظريات الإحصائية تعتمد في صياغتها على الأسلوب الرياضي وفي تطورها واستخدام طرق بديلة للعرض والإثبات فالعديد من التوزيعات الاحتمالية توضع في شكل دوال رياضية بها العديد من المتغيرات ، كما أن المعالجة الرياضية لهذه الدوال باستخدام نظريات التفاضل والتكامل يعطي لنا أدق المقاييس والمؤشرات الإحصائية اللازمة لعملية التحليل والدراسة .
ولاشك في أن المتخصص الإحصائي يكون أكثر قدرة على استخدام الأسلوب الإحصائي إذا ما كانت لديه الخلفية الرياضية في حدود هذا الأسلوب وذلك عند المتخصص الإحصائي الذي لا يملك هذه الخلفية في مجال الرياضة البحتة .
ويجب ألا ننسى أن الأسلوب الإحصائي كطريقة علمية صالحة للتطبيق في مجال البحث العلمي كثيراً ما يستخدمه رجال الرياضة البحتة عند عرض مشاكلهم بأسلوب رياضي .
8 ـ علاقة علم الإحصاء بمجموعة العلوم الطبيعية : تعتمد الآن معظم الدراسات المعملية على الأسلوب الإحصائي في تنفيذ التجارب وتصميمها ، وتلعب نظرية الاحتمالات والعينات دوراً كبيراً في هذا المجال سواء كان ذلك المجال كيميائي أو زراعي أو صيدلي أو طبي أو هندسي أو أي مجال يدخل في إطار مجموعة العلوم الطبيعية .
ويظهر هنا بوضوح الاستخدامات المختلفة لأسلوب العمل الإحصائي وذلك لغرض التقدير الإحصائي لخصائص الظواهر وتعميم النتائج على المجتمعات الأصلية وتفسير النتائج بأسلوب عام واختيار صحة هذه النتائج بدرجات ثقة يمكن التحكم فيها بحيث يمكن جعل الخطأ المسموح به عند أدنى حد ممكن . كما أن أسلوب التأكد من صحة بعض النظريات في مجال العلوم العملية غالباً ما ينفذ من خلال إتباع الأسلوب الإحصائي من تسجيل للمشاهدات من واقع الظواهر العملي أو الحصول على القياسات والقراءات من واقع التجارب المعملية ثم إجراء المقارنات بين ما هو موجود نظرياً على أساس النظرية الإحصائية وما يمكن أن تعطيه للباحث من أدوات في مجال تصميم التجارب .
9 ـ علاقة علم الإحصاء بمجموعة العلوم الإنسانية : بعد التطور التكنولوجي الهائل في كافة الميادين والذي فرض نفسه فجأة اصطحب هذا بتطور في كافة العلوم الإنسانية من حيث استحداث طرق جديدة لمعالجة الموضوعات الاجتماعية والفلسفية والنفسية وغير ذلك وأصبحت العلوم الطبيعية من أهم الموارد المساعدة في تنفيذ البحوث الاجتماعية .
ولا يمكن إنكار دور علم الإحصاء في هذا التقدم ، فالعلم يحتل مكانة كبيرة ويعتبر جزأً غير بسيط من ضمن هذه العلوم إلى الحد الذي تجد فيه فرعاً من فروع علم الإحصاء يسمى بالإحصاء في مجال العلوم الاجتماعية أو الإحصاء الاجتماعي والطريقة الإحصائية والنظريات العلمية هي أهم أدوات الباحث في مجال العلوم الإنسانية .
فالطريقة الإحصائية هي أسلوب عمل لتنفيذ البحوث الاجتماعية ونظرية الاحتمالات والنهاية المركزية وما يشمل ذلك من تطبيقات أساسية لها أهميتها في هذا المجال ، كما أن أسلوب إيجاد علاقة الارتباط سواء كان بسيطاً أو متعدداً للظواهر الاجتماعية والفلسفية وغير ذلك من الظواهر التي نفسرها وندرسها وتدخل في إطار العلوم الإنسانية ، وأيضاً تطبيق نظرية وضع الفروض والاختبارات الإحصائية وتحديد انتماء العديد من تلك الظواهر وتبعيتها لأحد التوزيعات الاحتمالية ، كل ذلك ضروري وهام في مجال العلوم الإنسانية ، وليس بالغريب القول بأن كل باحث متخصص في مجال العلوم الاجتماعية يجب عليه أن يكون ملماً عارفاً لأهم خطوات الطريقة الإحصائية والنظريات المختلفة لهذا العلم والمجالات التطبيقية المتعددة له إذا كان يريد أن يرقى بأبحاثه ومعلوماته إلى مستوى روح العصر .
وهكذا نستخلص من هذا العرض أن الإحصاء هو علم له طرقه العلمية ووظائفه المتطورة وقوانينه ونظرياته المتعددة والتي تعتبر أساساً للكثير من العلوم الأخرى ومنطلق لتطورها . وهو علم له علاقاته الممتدة عبر كل العلوم يؤثر فيها ويتأثر بها ويمثل جزء يكاد يكون عاماً ومشتركاً في كل العلوم تبدأ به وتنهل من طرقه ونظرياته مع اختلاف في درجة الامتداد والتشعب من علم إلى آخر ، كما أنه علم له وجوده في حياتنا العملية وأن أي تصرف أو سلوك شخصي أو غير شخصي يمكن أن تحكمه نظرية إحصائية أو أن يكون منطلقاً من أحد الطرق الإحصائية . إنه علم له العديد من الوظائف المتطورة مع التقدم والرقي في كافة الميادين وهي تشكل في إطارها العام أدق وأحسن أسلوب للبحث العلمي الخلاق وذلك على نحو ما تم إيضاحه .
التخطيط التنموي والإحصاء
ترتبط عملية التنمية والتخطيط التنموي ارتباطا وثيقاً بالإحصاءات ويقاس مدى نجاح الخطط التنموية بما تستند عليه هذه الخطط وما يتوفر لها من بيانات ومعلومات ومؤشرات إحصائية عن المتغيرات الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع ، فمن المعروف بأنه ومنذ وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها بدأت العديد من دول العالم بالأخذ بأسلوب التخطيط التنموي منهاجاً لتنظيم الحياة الاجتماعية والاقتصادية فيها وأداة للنهوض بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية ووسيلة لتحقيق أهداف خطط التنمية الرامية لتحسين مستوى المعيشة لسكان المجتمع .
وقد كانت الأهداف الرئيسة لخطط التنمية في بداياتها وتحديداً في فترة الخمسينيات تتمثل في رفع مستوى المعيشة للسكان كهدف أساسي وتميزت تلك الحقبة باعتماد المخططين في الغالب على افتراضاتهم وملاحظاتهم فيما يتعلق بمدى الاحتياجات والموارد وحجمها عند إعداد الخطط وهو ما كان يفتقر إلى الدقة ويحيط به كثير من الغموض وعدم الوضوح وخلال العقدين التاليين لهذه الحقبة أصبح ناتج النمو الاقتصادي هو الهدف المسيطر لكثير من خطط التنمية وذلك على افتراض أن سرعة النمو الاقتصادي تؤدي إلى حل كثير من المشاكل التي تواجه الدول كمشكلة البطالة والفقر وعدم توزيع الدخل .
وبسبب ذلك لم يكن يتعدى اهتمام المخططين بموضوع السكان والمتغيرات ذات العلاقة أكثر من حجم السكان ومعدلات نموهم بهدف حساب معدل النمو الاقتصادي وتحديد أهدافه العامة.
ونظراً لظهور بعض المؤشرات التي أوضحت عدم قدرة الخطط التنموية خلال هذه الفترة على معالجة الكثير من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية فقد بدأ بعض المخططين ومنذ نهاية السبعينيات التوسع في نطاق التخطيط التنموي من خلال اعتماد السكان كأحد المتغيرات الرئيسة للتخطيط التنموي وكذلك من خلال التعامل وبشكل مباشر مع التوظف والأجور والدخل الأسري والإنفاق والاستهلاك الأسري وإدراج عدد من المتغيرات الديموغرافية ضمن عمليات التخطيط ، وعلى أثر ذلك ونتيجة لتأييد دمج العوامل الديموغرافية في التخطيط التنموي في نهاية السبعينيات من قبل المخططين ، فقد قامت الأمانة العامة للأمم المتحدة بإعداد دليل فني لطرق وأساليب دمج وإدراج العوامل والمتغيرات الديموغرافية في التخطيط التنموي الشامل بهدف الاسترشاد به من قبل المسئولين والمشتغلين بأجهزة التخطيط التنموي والأجهزة المركزية للإحصاء .
ويمكن القول بأن عملية التخطيط التنموي الشامل ليست بالأمر الهين فمن خلال التجارب التي مرت بها الدول منذ الخمسينيات أصبح أمر تحقيق أهداف التنمية يعتمد على التخطيط الذي يقوم على إعداد التقديرات الإحصائية الدقيقة وإجراء المسوحات للإمكانيات المادية والبشرية المتوفرة ، وكما سبقت الإشارة إليه فقد كان التخطيط التنموي ومتطلباته وإلى عهد قريب يرتكز على تحقيق النمو الاقتصادي لأن هذا النمو سوف يؤدي إلى تحقيق الهدف المتمثل في رفع مستوى المعيشة للسكان ، وقد تغيرت هذه النظرة لتصبح عملية التخطيط للتنمية الاجتماعية والاقتصادية في أي مجتمع لابد وأن تأخذ بعين الاعتبار موضوع السكان وأحوالهم وخصائصهم المختلفة كالتركيب النوعي والعمري والتصنيف المهني والتصنيف حسب النشاط الاقتصادي والتوزيع الجغرافي والتقديرات المتوقعة لحجم هؤلاء السكان خلال الفترة الزمنية المستغرقة في تنفيذ خطة التنمية ، حيث لا يمكن للمخططين وراسمي السياسات التنموية تجاهل مثل هذه المتغيرات الهامة المتعلقة بالسكان خاصة وأن الأهداف الأساسية المتوخاة من التخطيط موجهه للسكان ورفاهيتهم وتقدمهم الاقتصادي والاجتماعي .
وعلى ذلك لابد من توفر إحصاءات سكانية على درجة من الدقة والشمول وإعداد التقديرات السكانية اللازمة على مختلف النواحي كإجمالي حجم السكان في سن التعليم والقوى العاملة والتكوين الأسري نظراً لما لهذه النواحي من تأثير على الإنتاج والاستهلاك ومستوى المعيشة ، وبشكل عام يمكن القول بأن من الصعوبة في أي مجتمع الأخذ بأسلوب التخطيط التنموي الشامل ووضعه موضع التنفيذ في ظل قصور البيانات الإحصائية .
وفي حقبة التسعينات سعت كثير من الدول إلى إيجاد التوازن بين السكان والنمو الاقتصادي المتواصل والتنمية المستدامة وأصبح هناك وعياً متزايداً بأن قضايا السكان والفقر وأنماط الإنتاج والاستهلاك بالإضافة إلى البيئة هي عوامل شديدة الارتباط بحيث لا يمكن تناول أي منها على انفراد ، بل أصبحت النظرة إلى العوامل السكانية والديموجرافيه في بعض الأحيان وما يتوفر منها من إحصاءات قد تكون عوامل مساعدة في التخطيط للتنمية المستدامة ونجاحها والعكس صحيح .
وكمحصلة نهائية ومن خلال هذا السرد نجد بأنه لابد من التسليم بوجود الصلات القوية بين الاتجاهات الديموجرافية وعوامل التنمية وأن توفر الإحصاءات بمختلف أنواعها السكانية والديموجرافية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية هي السبيل الوحيد لضمان نجاح التخطيط التنموي في أي من البلدان وتحقيق الأهداف المرجوة منه .
وكشاهد على الاهتمام بالإحصاءات بمختلف أنواعها سعت الدول ومنذ وقت مبكر على المستوى المحلي والإقليمي والعربي والدولي وسارعت إلى إنشاء العديد من المراكز المتخصصة التي تعمل في مجال الإحصاءات فمنها الذي يعمل في مجال التعليم والتدريب الإحصائي مثل المركز الديموجرافي بالقاهرة والمعهد العربي للتخطيط الإقتصادي الإجتماعي بهدف تهيئة الكوادر للعمل في هذا المجال وأخرى الهدف منها تقديم الدعم والعون الفني والإستشارات لأجهزة الإحصاءات في الدول الأعضاء كشعبة الإحصاء التابعة للأمم المتحدة في نيويورك وصندوق الأمم المتحدة للسكان وإدارة الإحصاء في جامعة الدول العربية كما أن هناك عدد من المنظمات الدولية المتخصصة التي تعنى بالإحصاءات بمجال عملها كمكتب العمل الدولي والبنك الدولي ومنظمة اليونسكو ومنظمة الصحة العالمية ، بالإضافة إلى وجود جهاز مركزي للإحصاء في كل دولة يعنى بشئون الإحصاءات في تلك الدولة .
التخطيط التنموي والوعي الإحصائي
إن مجرد الاهتمام بالمعلومات الإحصائية وتناولها واستخدامها من قبل أفراد المجتمع يعد في حد ذاته ظاهرة صحية تدل على انتشار الوعي الإحصائي بين هؤلاء الأفراد وتوضح ما لهذه الإحصاءات من قيمة ذات مردود إيجابي ، كما أن هذا الاهتمام يوضح العلاقة القوية التي تربط بين الإدراك بأهمية الإحصاءات والوعي الإحصائي ، والطلب المتزايد على الإحصاءات من قبل المخططين وراسمي السياسات التنموية ومتخذي القرارات والباحثين في مجتمع ما يدل على الفهم والإدراك الواسعين بأهمية هذه الإحصاءات وعملية توفير البيانات الإحصائية اللازمة بالقدر الكافي ترتبط أيضا بتحلي أفراد المجتمع بدرجة من الوعي الإحصائي ، فإذا ما كان هناك وعي إحصائي وفهم وإدراك لقيمة المعلومات الإحصائية فلن يكون هناك ندره في هذه الإحصاءات على الإطلاق .
ومن خلال العلاقة الوطيدة بين التخطيط والإحصاءات لا يمكن لنا أن نتصور مجرد التفكير في تخطيط تنموي سليم دون توفر بيانات ومعلومات ومؤشرات إحصائية ( إحصاءات ) على درجة عالية من الدقة والموثوقية والشمول ولكي نحقق ذلك لابد من تمتع الأطراف ذوي العلاقة المعنيين بشئون التخطيط التنموي بدرجة جيدة من الوعي الإحصائي .
وظاهرة وجود ضعف الوعي الإحصائي بين البعض من المشتغلين في أجهزة التخطيط وراسمي السياسات التنموية ومتخذي القرارات قد يكون لها انعكاساتها السلبية على اتخاذ القرارات في القضايا الاجتماعية والاقتصادية بسبب قصور المعرفة بالحقائق والركائز التي يفترض أن يستند إليها ويعتمد عليها للوصول إلى الأهداف المطلوبة ، أوقد يكون تم الاعتماد على بيانات ومعلومات ( إحصاءات ) منقوصة أو مشكوك في دقتها من قبل القائمين على التخطيط ، أو قد يكون السبب مرده إلى الفتور في العلاقة وضعف الاتصال بين المسئولين عن أجهزة التخطيط وصانعي القرار من جهة وبين منتجي الأرقام والمؤشرات الإحصائية ( الأجهزة الإحصائية ) من جهة أخرى أو انعدا | |
|