هذا الباب ينقسم ثلاثة أقسام: أحدها: اشتراك في موضوع اللفظة المفردة.
والثاني: اشتراك في أحوالها التي تعرض لها من إعراب وغيره.
والثالث: اشتراك يوجبه تركيب الألفاظ وبناء بعضها على بعض.
فأما الاشتراك العارض في موضوع اللفظة المفردة فنوعان: اشتراك يجمع معاني مختلفة متضادة، واشتراك يجمع معاني مختلفة غير متضادة.
الأول كالقرء، ذهب الحجازيون من الفقهاء إلى أنه الطهر، وذهب العراقيون إلى أنه الحيض، ولكل واحد من القولين شاهد من الحديث واللغة.
أما حجة الحجازيين من الحديث فما روى عن عمر وعثمان وعائشة وزيد بن ثابت رضي الله عنهم أنهم قالوا: الأقراء: الأطهار.
وأما حجتهم من اللغة فقول الأعشى:
وفي كلّ عامٍ أنت جاشم غزوةٍ ... تشد لأقصاها عزيم عزائكا
مورّثةً مالا وفي الحي رفعةً ... لما ضاع فيها من قروء نسائكا
وأما حجة العراقيين من الحديث فقول النبي صلى الله عليه وسلم للمستحاضة: " اقعدي عن الصلاة أيام أقْرَائِك " .
وأما حجتهم من اللغة فقول الراجز:
يا ربّ ذي ضغنٍ عليّ قارض ... له قروءٌ كقروء الحائض
وقد حكى يعقوب بن السكيت وغيره من اللغويين أن العرب تقول:
أقرأت المرأة إذا طهرت، ... وأقرأت إذا حاضت
وذلك أن القرء في كلام العرب معناه: الوقت، فلذلك صلح للطهر وللحيض معاً ويدل على ذلك قول الشاعر:
شنئت العقر عقر بني شليل ... إذا هبت لقارئها الرياح
وقد احتج بعض الحجازيين لقولهم بقوله تبارك وتعالى: ثلاثة قروء فأثبت الهاء في ثلاثة فدل ذلك على أنه أراد الأطهار، ولو أراد الحيض لقال ثلاث قروء، لأن الحيض مؤنثة. وهذا لا حجة فيه عند أهل النظر. إنما الحجة لهم فيما قدمناه.
وإنما لم تكن فيه حجة لأنه لا ينكر أن يكون القرء لفظاً مذكراً يعني به المؤنث، ويكون تذكير ثلاثة حملاً على اللفظ دون المعنى، كما تقول العرب: جاءني ثلاثة أشخص وهم يعنون نساء، والعرب تحمل الكلام تارة على اللفظ وتارة على المعنى، ألا ترى إلى قراءة القراء: " بَلَى قد جاءَتْكِ آياتي " بكسر الكاف وفتحها ووقوع الأسماء على المسميات في كلام العرب ينقسم أربعة أقسام: أحدها: أن يكون المسمى مذكراً واسمه مذكر كرجل مسمى بزيد أو عمرو والآخر: أن يكون المسمى مؤنثاً، واسمه مؤنث كامرأة تسمى فاطمة.
والثالث: أن يكون المسمى مؤنثاً، واسمه مذكر كامرأة تسمى: جعفر وزيد قال الشاعر:
يا جعفرٌ يا جعفرٌ يا جعفر ... إن أك دحداحاً فأنت أقصر
أو أك ذا شيب فأنت أكبر ... غرّك سربالٌ عليك أحمر
ومقنعٌ من الحرير أصفر ... وتحت ذاك سوأة لو تذكر
والرابع: أن يكون المسمى مذكراً، واسمه مؤنث كرجل يسمى طلحة أو وهذا لا يخص الأسماء الأعلام دون الأجناس والأنواع. وهكذا مذهب العرب في الصفة والموصوف، فربما كان الموصوف مطابقاً لصفته في التذكير والتأنيث، كقولهم: هذا رجل قائم، وهذه امرأة قائمة.
وربما كان مخالفاً لصفته في التذكير والتأنيث كقولهم رجل ربعة وعلامة ونسابة، وفي المؤنث امرأة حاسر وعاشق قال ذو الرمة:
فلو أنّ لقمان الحكيم تعرضت ... لعينيه ميٌّ حاسرا كاد يبرق
فقد تبين أنه لا حجة في دخول الهاء في ثلاثة.
ومن الألفاظ المشتركة الواقعة على الشيء وضده قوله تعالى: " فأَصبَحَتْ كالصَّريم " .
قال بعض المفسرين: معناه كالنهار المضئ، بيضاء لا شيء فيها: وقال آخرون كالليل مظلم سوداء لا شيء فيها وكلا القولين موجود في اللغة، أما من قال: كالنهار المضئ فحجته قول زهير:
بكرت عليه غدوة فرأيته ... قعوداً لديه بالصّريم عواذله
يعني الصباح وأما من قال كالليل فحجته قول الراجز:
تهوى هوىّ أنجم الصريم
وقال آخر:
كأنا والرحال على صوار ... برمل خزاق أسلمه الصريم
قال بعضهم معناه: انحسر عنه الرمل، وقال قوم معناه: خرج من الليل وأنجلى عنه كما قال النابغة.
حتى غدا في بياض الصبح منصلتاً ... يقرو الأماعز من لبنان والأكما