الوعي الاجتماعي والإدراك العقلي
فريد عبدالله النمر
الوعي كلمة تعبر عن حالة عقلية خاصة يكون فيها العقل بحالة إدراك وعلى تواصل مباشر مع محيطه الخارجي عن طريق منافذ الوعي التي تتمثل عادة بحواس الإنسان الخمس والتي تبثها بترجمة خاصة تتعداها إلى التناسق الحسي والفكري عند بني البشر. كما يمثل الوعي عند العديد من علماء النفس الحالة العقلية التي يتميز بها الإنسان بملكات الحكمة والمحاكمة المنطقية الذاتية (الإحساس بالذات) ,أو ما يسمى بالإدراك الذاتي الشعوري , التي تنبثق عنه المنطقية والحكمة أو العقلانية والقدرة على تقدير الأمور المختلفة بمعطيات الواقع وكذلك القدرة على الإدراك الحسي للعلاقة بين الكيان الشخصي و المحيط الطبيعي للإنسان وان تغيرت في الشكل الخارجي.
فمن خلال هذا العرض للوعي الإنساني نجد أنفسنا تحت وطأة تجاربنا والمنهج المتبع في طريقة فهم المسائل وخاصة الشائكة منها , مما قد يساعدنا على بناء نموذجنا الخاص لكيفية سير الأحداث من حولنا وما نحس به بعالمنا الموضوعي الحقيقي لكن إحساساتنا يتم إسقاطها أي (تحويلها) إلى مدرَكات مؤقتة احتياطية ووقتية (كجهاز الكمبيوتر تماما في الذاكرة المؤقتة) ليتم من خلالها تكوين اللبنة الأساسية للتدبر المنطقي الشعوري والتحليل الذاتي, كما يحدث للعديد من الفرضيات العلمية المؤقتة لحين إثباتها أو دحضها بعد الفحص.
فعندما نستقبل معلومات حسية جديدة نتأثر بتلك تأثرا وقتيا أيضا ,قد تتغير مدركاتنا وفقا لها وقد ينتج عن ذلك بلورة انطباع قد يكون ايجابيا أو سلبيا بناء على مدى قوة التأثير وضعفه . إذ أكد كثير من علماء النفس على حقيقة هذه الطبيعة اللّدنة والطيعة للخيال الإنساني الخصب . ففي حالة الإدراك الحسي يمكن لبعض الناس أن يروا حقيقة التغير في الإدراك البصري ببصيرتهم العقلية المخالفة للأهواء أو بما يمكن أن نسميه العيون عقلية . لكن الأشخاص الآخرين الذين لا يتمتعون بتفكير صوري خصب لا يمكنهم أن يحسوا بمثل هذه الحقيقةً لتمكن حالة خلافية آمنوا بها سابقا حالت دون إدراكهم وحدّت من مخيلتهم الذاتية على الانطلاق , وأحد أمثلة هذه الحالة هي الصور الملتبسة التي تملك أكثر من تفسير على المستوى الإدراكي من حيث المعطى والإحداثيات.
كأن نملك جسما واحدا يمكن أن ينتج أكثر من مدرك أو تفسير واحد, فعندما تلمس جسما دائريا بحجم ما مثلا قد تعتقد انه تفاحة أو برتقالة بينما يراها شخص آخر على إنه كرة اعتمادا على تجربة سابقة, بالتالي يمكن أن نجد أن جسما آخر يمكن ألا ينتج عنه أي مدرك على الإطلاق ونمرّ عليه دون إعطاء أي قرار , فما دام الإدراك غير موجود أساسا ضمن خبرة الشخص فلا يستطيع إعطاء تشخيصا لذاك الجسم, كأن يكون هناك شيء بحوزتك وفي متناول يدك ولا تدرك أهميته إلا بعد فقده أو لا تدرك خطورته إلا بعد استخدامه, وهذه الطبيعة الملتبسة المحيرة للإدراك الحسي يمكن أن تتفاقم و تظهر جلية في بعض التقنيات الحيوية التي تستخدمها بعض الأحياء في الطبيعة مثل : التقليد للغير أو التمويه على الغير.
فمن شروط حدوث الحس الإدراكي العقلي والتحليلي
أولا_ وجود المثير كحالة للحدث .
وثانيا بالإحساس بالمثير :أي الشعور بآثار المثير على الفرد وبذلك يكشف الإحساس عن وجوده وإدراك المعنى المعين الخاص بالمثير والتعرف عليه
كما إن للاستجابة العقلية للفرد من خلال خبراته الإدراكية السابقة وما مرّ به من تجارب تعرّفه بخواص المثير وما يرمز له ذلك المثير من حالة لأهمية قصوه للإدراك العقلي.
فمن سمع صوت جهاز إنذار الحريق مثلا وخبر أنه دليل للخطر استجاب وفق خبرته بأنه خطر ما قد يحدث له فقد يهرب أو يختبأ أو يلجأ لمكان آمن.
أي إن تعاقب وتراكم الخبرة وتكرار العمليات كفيلة بتكون : (المثير........الإحساس ..........التعرف ...........اختيار الاستجابة)
إذا توفرت الذاكرة المدركة القادرة على استرجاع المعلومات التي أدركنا تأثير المثير لها سابقاً.
القدرة التفكيكية للحدث أو تحليل الحالة :
التفكيكية هي إحدى مدارس الفلسفة النقدية في النقد الأدبي التي تنحو إلى القول باستحالة الوصول إلى فهم متكامل أو على الأقل متماسك للنص أيا كان, فعملية القراءة والتفسير هي عملية اصطناعية محضة يقوم بها القارئ بالاستعانة بإدراكه الخاص عبر تراكم خبرته التي استقاها عبر الزمن ليخلص بتفسير خاص قد يختلف معه غيره فيه. و بالتالي يستحيل وجود نص رسالة واحدة متماسكة ومتجانسة يتفق عليه الجميع تحت قراءة واحدة أو تحليل واحد.لذا توجب على القارئ أن يتجه بترجمة إدراكه الخاص نحو التفكيك البنيوي للحدث على الطريقة الأدبية للقاعدة البنيوية الحداثية لتفكيك النص و تحليله والتي هي أساسا ( منهج بحث ) مستخدم في عدة تخصصات علمية تقوم على دراسة العلاقات المتبادلة بين العناصر الأساسية المكونة والمنتجة لبنى الحالة, معتمدا في ذلك على الوعي المكتسب(الخبرة) والفهم الخاص بتلك الحالة سواء كانت الحالة : لغوية, اجتماعية, ثقافية , عقلية.. الخ .
ومن هنا ينتج عندنا فهما لخطاب عقلي ذاتي التحليل معتمدا على إحداثيات الأمور الزمكانية وكيفية التعاطي معها من منطلق الفهم المجرد البعيد عن العصبية والنفعية والانوية , مما قد يساعد على اتخاذ القرار المناسب الأقرب للصحة والدقة بكل نزاهة وحيادية تجاه المسائل الشائكة والقضايا الملتبسة والحساسة التي قد يبتلى بها الفرد أو المجتمع على السواء وقد تصيبه بانعكاسات وخيمة لا قدر الله- عند عدم القدرة على فك شفرتها و فهمها و قراءتها وتمييز نتائجها بالشكل المطلوب.