نظرت كاميليا برعب من بين فتحات نافذة غرفتها المظلمة تطالع حركة غير عادية تجرى فى الشارع محاولة أن تسمع ما يقوله هذان الرجلان للبقال المواجه للمنزل، ولكن صوت أذان المغرب المنطلق من المسجد المجاور، بالإضافة إلى صوت دقات قلبها المرتجف طغيا على كل صوت، وفجأة رفع البقال أصبعه، مشيراً إلى النافذة فجرت كاميليا مفزوعة نحو صالة الشقة، حيث كان يفطر ابن خالتها وزوجته تجرى من غرفة إلى أخرى باحثة عن مخبأ تلوذ به فسألاها.. ماذا بك؟ هل حضرت الشرطة؟.. كنا نعلم ذلك!.. لقد فعلوها مرة أخرى.. ضغطوا على الداخلية كعادتهم فنشرت رجالها يبحثون عنك وراء وتحت كل حجر، وهاهم لا يفصلهم عنك سوى ذلك الباب الخشبى.
عم المكان برهة من الصمت ثم انفجر ذلك الباب لينفتح على مصراعيه، تسمرت كاميليا فى مكانها بينما استمر ابن خالتها وزوجته فى تناولهما للفطور استسلاماً وليس تجاهلاً، نريد أن نتحدث إليك.. قالها أحد الرجلين وهو يشير إلى أحد المقاعد الجانبية داعياً إياها للجلوس ثم أردف متسائلاً لماذا اختفيت فجأة من بيت زوجك؟ هل خطفك هذان الشخصان أم حرضاك على الهرب؟ ارتمت كاميليا على المقعد منهارة قائلة لا هذا ولا ذاك.. كل ما فى الأمر أننى كرهت عيشتى معه.. كرهت مطالعة وجهه كل صباح.. كرهته وكرهت قبيلتى.. أريد أن أفعل ما يمليه على عقلى وفطرتى، وليس ما تمليه على أفكار وتقاليد قبيلتى، صاح الرجل الآخر فى وجهها قائلاً: ولما لم تطلبى منه الطلاق وتعلنيه أنك راحلة، انفجرت كاميليا فى البكاء، وقالت: ألا تعلم أن تقاليد قبيلتى تمنع الطلاق، وأن من يطلب ذلك يعتبر خارجاً عن الأعراف والتقاليد، ويجب قتله، كما أن رغبتى فى الطلاق لم تكن السبب الوحيد الذى دفعنى للهرب، ولكنها أيضاً أفكار ومعتقدات قبيلتى التى ما أن أعملت فيها عقلى وفطرتى حتى وجدتها تتهاوى.
ولو عرف أحدهم بذلك فسيقطعونى إرباً، لذلك قررت الهرب.. أرجوكم اتركونى وشأنى وسيهدأ الأمر، وينسونى كما نسوا ابن خالتى وزوجته.. دق أحد الرجلين بكفه على منضدة أمامه كادت أن تنكسر من عزم غيظه قائلاً ينسوك!!! ... كيف ينسوك وأنت زوجه أحد كبرائهم؟!.. لقد جمعوا كل أفراد القبيلة بداية من شيخ القبيلة وكبرائها، ومروراً برجالها ونسائها، متجمهرين فى وسط المدينة، مهددين بإشاعة الفوضى فى البلاد إذا لم تعودِ، ثم همس الآخر مستعطفاً إياها بأن تعود معهم بإرادتها وأن تترك ما برأسها، عندها اقتنعت بأن حديثها معهم بلا طائل فاندفعت نحو باب الشقة المفتوح لتقفز على السلالم هرباً، وما كادت أن تخرج إلى الشارع حتى تلقفتها أيدى باقى رجال القوة المنتظرة أسفل البناية ليقتادوها جميعاً لتسليمها بالقوة فى مشهد يبدو مثلما كان يفعل الإنسان الأول وهو يقدم قرباناً لأحد البراكين الثائرة ظناً منه أن البركان سيهدأ، ولكن هيهات.