تدريس العلوم بمساعدة الحاسوب

في مطلع الثمانينات الميلادية وبعد الكثير من الدراسات كان هناك توجها قويا من قبل المربين نحو تعديل النظرة إلى استخدام الحاسب وعدم تحجيمه في مقررات الحاسب. وكان الاتجاه أن يستفاد من الحاسب في تدريس المواد الدراسية المختلفة- كمعين للمعلم على التدريس، بالإضافة إلى تدريس بعض المقررات التي تعنى بتقنية الحاسبات وبرامج لغات الحاسب.
شاء الله أن يصادف هذا التوجه نشوة المدرسة السلوكية في الولايات المتحدة بقيادة سكنر(وزملائه) صاحب ‏نظرية "التعزيز" (Reinforcement) التي تفترض أن الفرد يتعلم بطريقة فعالة إذا أدرك مباشرة صحة إجابته، لذلك يمكن تقسيم المنهج إلى أجزاء (أطوار) كي يسهل على المتعلم إعطاء الإجابة الصحيحة لكل طور عندما يقدم له السؤال المثير المعبر عن فكرة هذا الإطار ، ولا ينتقل من إطار إلى آخر حتى يجتاز هذا الإطار بنجاح. وقد طبقت أفكار هذه المدرسة على أرض الواقع التدريسي بما سمي بالتعليم المبرمج‏ (Programmed Learning)، الذي انتشر بكثرة في المدارس الأمريكية في تلك الحقبة من الزمن.لقد وجد التربويون ضالتهم في هذا الجهاز الوليد- الحاسب الآلي، الذي يناسب تماما "موضة" المدرسة السلوكية. حيث رأوا أنه من الممكن جدا استبدال (أو نقل) البرامج المكتوبة مع "دبلجة" بسيطة إلى شاشة الحاسب... وتلك كانت بداية القصة- "إدخال الحاسبات الآلية في تدريس المناهج الدراسية".
1‏- المحتوى المصغر (Micro-text) :
وهو عبارة نقل (تصوير) محتوى المنهج من الكتاب المدرسي إلى شاشة الجهاز دون تغيير يذكر في طريقة التدريس. وقد مني هذا النوع بفشل ذريع ، حيث وجد أن التلاميذ يفضلون الدراسة من الكتاب المدرسي "الطبيعي" وإن جذبتهم "غرابة" الحاسب وجديته عليهم برهة من الوقت، إلا أنهم لايلبثون أن يملُّوا هذه الوسيلة بعد انتهاء نشوء استخدام الجهاز الجديد الذي كان غريبا فانتهت هذه الغرابة بعد زمن قليل.
كل من الطريقتين السابقين (التعليم البرنامجي والمحتوى المصغر) تركز على ‏تقديم المادة العلمية بطريقة آلية (Systematic Presentation) ناظرة إلى التعلم على أساس أنه "تعليمات" لا أنه "خبرات"!.

2- التمارين والتدريبات (Drill and Practice):
وقد حاول هذا النوع إعطاء المتعلم بعض الحرية ذلك أن البرامج المقدمة من هذا النوع تعطي بعض المرونة في الإجابات الصحيحة الموجودة في "بنك المعلومات". وقد انتشر استخدام هذا النوع في تدريس مواد الرياضيات التي تركز على التمارين والتدريبات. وقد بينت إحصائية حديثة نسبيا لاستخدام الحاسب الآلي في المدارس الأمريكية (سبتمبر 1993م) أن هذا النوع لايزال يوجد بكثرة ويستخدم في بعض المدارس الأمريكية الابتدائية منها والثانوية.

3- المدرس الخصوصي (Tutorial) :
مزيدا من الانفتاح والحرية للمتعلم قدمتها هذه البرامج. إذ أنها لاتلزم المتعلم بخط سير واحد، ولكنها تمنحه العديد من الخيارات. فعلى سبيل المثال يمكن للمتعلم أن يختار الموضوع الرئيس وليكن "الذرة"، ثم يختار موضوعا من الذرة وليكن" الإلكترونات"، ثم يختار درسا خاصا وليكن "عدد الإلكترونات في العناصر الخاملة" ... وهكذا.
وقد بنيت فكرة المدرس الخصوصي على نظريات التعلم الإدراكي لكل من برونر وأوزوبل في السبعينات الميلادية. وقد شهدت مناهج العلوم الغربية الكثير من هذه البرامج والتي كانت غالبا ماتتم بالتعاون بين معلمي العلوم والشركات المتخصصة بالحاسب الآلي. ولايزال بعض التربويون يتحمسون لمثل هذا النوع من البرامج!.
4- المحاكاة (Simulation):
وهي عبارة عن تمثيل واقع الظواهر الطبيعية بالصور المتحركة التي تجعل المتعلم قريبا جدا من تصور الواقع والتفاعل معه. فعن طريق المحاكاة يمكن للمتعلم دراسة التفاعلات النووية "الخطيرة"، والمكونات الذرية "الصغيرة"، وأعماق البحار والأجرام السماوية "الكبيرة"، والاكتشافات العلمية "الغابرة". والمحاكاة تضع المتعلم في بعض المشاكل العلمية (كالتلوث البيئي مثلا)، ثم تطلب منه تقديم الحلول المناسبة. ودور البرنامج التفاعل مع استجابات المتعلم والتي غالبا ماتكون رقمية (من لوحة المفاتيح) تشير إلى الاستجابة التي يراها المتعلم.
تعتبر برامج المحاكاة بحق أكثر برامج الحاسب استخداما في حصص العلوم، وهذا يرجع إلى الطبيعة الديناميكية لها، وقدرتها الفائقة على تمثيل الواقع لكثير من الظواهر العلمية. كما أن العديد من الأبحاث الخاصة بتقييم فعالية استخدام الحاسب الآلي في تدريس العلوم كانت وحتى السنة الماضية تستخدم المحاكاة كنموذج لكيفية استخدام الحاسب في حصص العلوم.
لقد ظن كثير من التربويين أن المحاكاة هي أفضل استخدام "يمكن" أن يقدمه للحاسب الآلي لتدريس العلوم، وهي البديل الأمثل عن التدريس التقليدي الكسيح!، وطغى هذا الحماس على أكثر الدراسات الأولية -والتي غالبا ماكانت نظرية-، ولكن نتائج الأبحاث العملية والواقع التطبيقي لم يواكبا ذلك الحماس. فلم تعطي الدراسات التجريبية فروقا جلية بين هذه الطريقة والطريقة التقليدية!، كما أن إعداد البرامج التربوية كان يكلف الكثير من المال والجهد- جهد المتخصصين النادرين.
5- الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence):
مفرط في تكاليفه ويصعب تطبيقه من الناحية الفنية على تلاميذ مادون المرحلة الجامعية، ولذلك لم يصدر منه برامج تربوية ولكنه اشتهر في القطاعات الصناعية المتقدمة، ويعتبر حديث الساعة في أبحاث الحاسب الآلي في الجامعات ومراكز الأبحاث. ومن أشهر أمثلته " نظام الخبير".
وعاد السؤال يطرح نفسه: ماهي الطريقة المثلى لاستخدام الحاسب الآلي في حصة العلوم؟. ما هو البديل؟ لقد أصبح الحاسب ضرورة من ضروريات العصر ولابد من إعداد الطالب إعداد مناسبا يمكنه من التعايش مع المجتمع الذي سيعمل ويعيش فيه. هكذا وبعد سنوات قليلة من إدخال الحاسب في تدريس العلوم رجع التربويون القهقرى!.. يبحثون عن الحل.