تدريس العلوم من منظور إسلامي

يعتبر هذا العصر عصر تصادم الحضارات ولكن هذه الأمة تميزت عن سائر الأمم بأنها خير أمة أخرجت للناس، وخيرية هذه الأمة بأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فالعرب قديماً كانوا عبيداً للفرس وعندما أتى الإسلام واعتنقوه أصبحوا ملوك الأرض كلها ودان الناس لهم. فعز هذه الأمة مرهون بتمسكها بدينها وحظها من السيادة البشرية مرهون بمدى ماتأخذه من شرع ربها، يقول الله تعالى: "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لايشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون "
والناظر إلى تدريس العلوم اليوم في عالمنا المعاصر يلمح الأثر العلماني في تقديم العلوم، ذلك أن هذه العلوم وبعد نشأتها الأولى بين أحضان المسلمين نقلت وطورت في الغرب في كل من أوروبا أولا ثم في أمريكا وأخيرا في بعض دول الشرق الأقصى الملحدة، وهذا التطور والازدهار للعلوم في جو علماني جعل من الصعوبة على أية مناهج علمية مهما بلغت من العناية والتدقيق أن تخلو من بعض التفسيرات المناقضة لما يقرره الإسلام عن تلك العلوم.
كما أن تدريس العلوم تبعا لذلك يحتاج إلى وقفة خاصة ونظر ثاقب لما يقدم للمتعلمين من حقائق ونظريات علمية كي لا تتعارض مع ما قرره الإسلام في الكتاب أو السنة. و معلم العلوم المسلم اليوم مدعو إلى تدريس العلوم وفق المنهج الصحيح وهو المنظور الإسلامي لتلك العلوم وتقديمها للمتعلمين بصبغة خاصة تختلف عن تلك التي يقدمها غيره تبعا لاختلاف النظر إلى هذه العلوم –كما قررنا ذلك في الفصل الأول-.
تعريف تدريس العلوم من منظور إسلامي:
يعرف المؤلف تدريس العلوم من منظور إسلامي كما يلي: "قيام معلم العلوم بإبراز الارتباط بين العلم والدين الإسلامي وبيان أوجه الإعجاز العلمي مع ذكر بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والإشارات الإيمانية المرتبطة مباشرة بالدرس".
وأوجه الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والأحاديث النبوية كثيرة، منها ماذكر في القرآن كقوله تعالى:" فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء… الآية "، والعلم الحديث وجد أن الإنسان كلما ارتفع (صعد) إلى أعلى (إلى السماء) كلما ضاق صدره ووجد صعوبة في التنفس، نظرا لأن الضغط يقل فيصعب عليه التنفس.
ومن أوجه الإعجاز العلمي كذلك في القرآن والسنة ماذكر فيهما عن الناصية والعسل وماء زمزم والنار وعالم النبات والبحار وفي أن الخمر داء وليس دواء وغيره كثير.2
أسباب تدريس العلوم من منظور إسلامي:
لتدريس العلوم وفق النظرة الإسلامية أسباب عدة، منها:
1- تدريس العلوم من منظور إسلامي يتوافق مع أهداف تدريس العلوم في المملكة، وفي ذلك تيسير لتحقيقها بأقصر الطرق.
2- كوننا مسلمين يوجب علينا النظر إلى الحياة عموما نظرة إسلامية شاملة.
3- أن هذا حق لله سبحانه وتعالى حيث خلق هذا الوجود للعبادة، ومن حقه جل وعلا علينا أن لانجحد ماعلمنا إياه من علم و ما منحنا من فضل.
4- في تدريس العلوم وفق النظرة الإسلامية إبعاد للتناقض لدى الطالب وإبراز للارتباط بين الدين وما يعلمه الطالب من معلومات عصرية.
5- استعادة ثقة الطالب في هذا الدين. وهذا أحد أهم أهداف تدريس العلوم في المملكة العربية السعودية.
نماذج من تدريس العلوم من منظور إسلامي:
يمكن تدريس العلوم من منظور إسلامي في جوانب مختلفة أثناء درس العلوم، ومنها:
في مقدمة الدرس:
فعند الدخول للدرس يحاول معلم العلوم توجيه الدرس وجهة إيمانية، وذلك بعرض آية أو حديث مما له ارتباط مباشر بالدرس أو شرحهما، فمثلا يذكر معلم العلم الآية : "…وجعلنا من الماء كل شئ حي أفلا يؤمنون " كمدخل لدرس "دورة الماء في الطبيعة"، أو كمدخل لدرس "حاجة الكائن الحي للماء". وقد يذكر حديث عن مراحل نمو الجنين في بطن أمه كمدخل لدرس "نمو الجنين". فتكون هذه المداخل سبيلا ليدرك المتعلم الإرتباط الكبير بين الوحيين والعلوم الحياتية اليومية، وأن معظم مواضيع العلوم لها أساس في العلوم الشرعية .

2- أثناء شرح الدرس:
وذلك ببيان فضل الدين الإسلامي وسمو تشريعاته (وهذا مستل من أهداف تدريس العلوم في المملكة) وأن الإسلام لم يأمر بشيء إلا وفيه صالح الإنسان، ولم ينه عن شيء إلا وفيه ضرر عليه. فمثلا في درس "الكحولات" وبعد بيان تركيبها الكيميائي يذكر معلم العلوم أنها تضر بالجسم البشري عند تناولها-كما ثبت طبيا-ثم يذكر فضل الإسلام الذي حرم على الجسم مايضره.
3- أثناء تقديم العروض العلمية:
كأن يعرض معلم العلوم على مجسم الخسوف والكسوف، ثم يبين السبب العلمي لهذه الظاهرة مقرونة بما ورد من أنها لا تحدث بسبب موت أحد أو حياته.
4- عند التقويم:
ويستطيع معلم العلوم أن يعمل على تعميق الإيمان في قلوب الناشئة من خلال التقويم اليومي، كأن يطلب من التلاميذ ذكر بعض الآيات أو الأحاديث التي وردت في موضوع الدرس، أو ذكر بعض الشواهد والأدلة على قدرة الله سبحانه وتعالى في هذا الكون-عندما يكون الدرس عن الأجرام السماوية-، أو يطلب من التلاميذ استخراج تفسير لبعض الآيات التي ترتبط بموضوع الدرس وتفسيرها ليزيد المتعلم فهما وعمقا في الدرس.
ولا يتوقف تدريس العلوم من منظور إسلامي على طريقة معينة من طرق تدريس العلوم، بل إنه يستطيع ذلك من خلال أية طريقة من طرق تدريس العلوم